من يتابع قناة «الجزيرة» سيصاب رأسه بالدوار، وسيضطر إلى تناول مهدئات الصداع والغثيان والضغط والسكر والمغص؛ لأن المتابع الذي يبحث عن «الرأي والرأي الآخر» سيجد نفسه بين الرأي والرأي الأوحد لا غيره؛ فالمذيعون الأشاوس يسألون ضيوفهم أسئلة تتظاهر بالبراءة والموضوعية والبحث عن الحقيقة الغائبة؛ لكنهم لا يمهلون ضيفهم دقيقة واحدة لقول ما يؤمن به إلا وقد اختطفت فرصته ومارس عليه المحاور حصاراً شديداً بأسئلة متوالية ترده بعنف إلى زاوية ضيقة لا يجد له منها مخرجاً، وحين يبقى على رأيه الذي لم يلب رغبة القناة يقطع الحوار معه، ثم يحيل السؤال المفصّل تفصيلاً على ضيف مختار بعناية ومن النوع المستأجر المتخصص في سرد الإجابات الفورية الجاهزة التي تحقق ما تريد القناة الوصول إليه. لقد هيئ طاقم القناة ودرس وعلم ولقن حتى غدا مذيعوها ومذيعاتها ببغاوات يرددون ما كلفوا بقوله. لا يخفى على ذي بصيرة أن تنظيم الحمدين أراد أن تكون الجزيرة ضلعاً ثالثاً في عمليات الإرهاب والفوضى وتمزيق المنطقة العربية بهدم نظمها السياسية، بعد الضلع الأول وهو التخطيط الأيدلوجي ثم الثاني وهو تنفيذ المخطط من جماعة الإخوان المسلمين أو المتفرّعين من عباءتهم كجماعة «عبد الله كولون» في تركيا التي لا يستبعد المراقبون أن لها يداً في اختطاف جمال خاشقجي؛ فهي الدولة العميقة المتغلغلة في تركيا، وصلة الإخوان بها لا تخفى، ويمثّل الضلعَ الثالثَ في العمل الإرهابي ما تنهض به قناة الجزيرة من أدوار التأجيج والتذمر والإحباط والكراهية والنقمة على أي نظام سياسي ينعم بالأمن والاستقرار والرفاهية؛ كما هي الأوضاع في دول الخليج العربية على الأخص ومن أدوار التبرير للفوضى التي تسميها «ثورات» أو للعصابات الإرهابية ك»داعش» التي تسميها «الدولة الإسلامية» على سبيل المثال لا الحصر. ولعل مأساة اختفاء الكاتب الصحافي جمال خاشقجي يمثّل «الضلع الثالث» من صفة الإرهاب الذي يضطلع به قصر الوجبة المحمي من الفرس والعثمانيين. فقد جعلت الجزيرة من اختفاء خاشقجي موضوعها الرئيس الوحيد منذ الثلاثاء 2 من أكتوبر، وبسرعة مثيرة للشكوك صعدت القناة الخبر وأعلنت بما يشبه «اليقين» أنه قتل، وبسرعة مثيرة لما بعد الشكوك وهو الظن المؤكد بالتواطؤ وسبق التجهيز رفع المتظاهرون «بوسترات» مطبوعة بأحجام كبيرة لجمال خاشقجي بعد ساعات قليلة جداً من إذاعة الخبر وتصعيده إلى أن يكون القضية الأولى في القناة طوال بقية ساعات ذلك اليوم ووسط متظاهرين مهيئين سلفاً لممارسة دور التظاهر. ألفُ قصةٍ حاكتها الجزيرة؛ فقد دخل خاشقجي القنصلية وقطع بمنشار أتى به وفد أمني ووزعت قطع جثته على أماكن متفرِّقة في إستنبول، لا؛ بل هرب إلى دبي ثم إلى الرياض، لا بل أخفي في سيارة سوداء توجهت به حياً إلى مكان مجهول في إستنبول! هذه ليست قناة وليسوا إعلاميين؛ بل خلية استخباراتية ومصاصو دماء!