استحوذت مبادرات التوطين على اهتمام الحكومة بشكل عام، ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية بشكل خاص؛ لما لها من انعكاسات إيجابية على توظيف السعوديين، وخفض نسبة البطالة، والمساهمة في معالجة ملف «الانكشاف المهني». حملت أهمية مبادرات التوطين الحكومة للإنفاق بسخاء على برامجها والدراسات المرتبطة بها، وهو أمر إيجابي ومحفز لتحقيق النتائج الإيجابية.. غير أن بعض الجهات المعنية ومنها الشركات الاستشارية وبعض شركات التدريب والتوظيف في القطاع الخاص، استثمروا ذلك الإنفاق لمصلحتهم؛ دون النظر لفاعلية البرامج المقترحة ومشروعات التوطين؛ وأسهموا في تقديم برامج ذات جدوى في عمليات التوطين من الجانب النظري، إلا أنها تصطدم بمعوقات مختلفة حين تطبيقها على أرض الواقع. ومن اللافت في بعض برامج التوطين تركيزها على الوظائف والمهن الدنيا، الطاردة للسعوديين؛ دون التركيز على الوظائف المتوسطة والعليا التي يفترض أن تستأثر بجميع برامج التوطين ومبادرات الوزارات. ولعلي أركز اليوم على مبادرة «صياد» التي تقدمت بها وزارة البيئة والمياه والزراعة؛ فتحولت إلى قرار نافذ سيتم تطبيقه في 30-9-2018م. يستهدف مشروع «صياد» الشباب السعودي، ويحفزهم على أن يكونوا على متن كل مركب أو وسيلة صيد تدخل البحر. الأكيد أننا مع جميع مبادرات التوطين الكفؤة، وندعمها بقوة، وأن أحدثت بعض الخلل الاقتصادي في بدايات التطبيق إلا أن بعض المبادرات تحتاج إلى مراجعة حصيفة، وقراءة متأنية لواقع لواقع القطاع المستهدف، وبيئتة. فبرنامج صياد لا يهدف إلى تحقيق نسبة التوطين المقرة من قبل وزارة العمل في قطاع الصيد؛ المتحققة إبتداءً؛ بل يربط بين استمرارية عمل الصيادين وتحقيققهم لمتطلب المرافق السعودي. قد يكون تعطيل مراكب الصيد عن الإبحار هدفا للوزارة من أجل حمل الصيادين على تنفيذ القرار؛ وهذا يقودنا إلى السؤال الأهم وهو هل درست الوزارة سوق العمل لمعرفة عدد السعوديين القادرين، أو الراغبين بالعمل في قطاع الصيد البحري مرتفع المخاطر ومتدني الدخل. أو هل قامت بدراسة ميدانية لتقييم وظيفة «صياد» ونسبة جاذبيتها للسعوديين، أو هل إستفادات من التجارب السابقة التي طبقت منذ زمن الدكتور غازي القصيبي رحمه الله؛ قبل أن تصر على تنفيذ القرار؟.. هل أخذت الوزارة في اعتبارها قروض صندوق التنمية الزراعي المستحقة على الصيادين؛ وإمكانية تعثرها بمجرد توقف السفن عن الإبحار؛ وإمكانية رجوع الصندوق على الرهونات العقارية التي بحوزتهم ومن ثم تسييلها لسداد الدين!.. أو هل درست موعد تنفيذ القرار الذي جاء في الموسم الرئيس للصيادين وهو موسم صيد الروبيان؟.. برامج التوطين من أهم البرامج الواجب تنفيذها وتفعيلها في قطاعات الاقتصاد؛ غير أن التأني في دراستها ومعرفة إنعكاساتها؛ وآثارها المباشرة والجانبية؛ أمر لا بد من تحقيقه؛ خاصة في توطين المهن؛ ومنها مهنة الصيد البحري. لذا أقترح تأجيل تطبيق القرار لمزيد من الدراسة والتمحيص، وعدم ربط الإبحار بوجود المرافق، بل بقبول مالك السفينة توفير وظيفة المرافق وتشغيل السعودي عليها متى توفر.