في جلسة عائلية أدهشني وأسعدني أن تتقدم فتاة صغيرة بسؤال عن مسألة في اللغة في زمن نتهم فيه أبناءنا بعزوفهم عن العربية، قالت ابنتنا الطالبة النجيبة نورة الشايع بعد أن استأذنت لها والدتها بالسؤال: جمع سِنّ أهو سنون أم أسنان؟ فأجبتها بأن المشهور المعروف في الفصيحة جمع سنّ على أسنان؛ ولكن يجوز أن يجمع على سنون، وكان قولي بتجويز هذا معتمدًا على أنّ هذا الجمع مطّرد استعماله في لغات الجزيرة المحكية التي لا أراها في معجمها، على الأقل، إلا امتدادًا للغات العرب القديمة، وليست عدولًا عن مستوى الفصيحة، فهذا الجمع مما احتملته هذه اللغات المحكيّة، ومما يجب أن يضمّ إلى معجمات العربية، وهذا الأمر هو ما ندب أستاذنا الدكتور عبدالرزاق الصاعدي نفسه له منذ سنوات في سعيه الجاد لإثراء المعجم الفصيح بما احتملته لغات بلادنا المحكية من ألفاظ فصيحة أهملتها المعجمات القديمة التي قصرت في استغراقها كل البيئات اللغوية وتوقف أهلها عن جمع ما اصطنعه الناس من ألفاظ تعبر عن أغراضهم كما فعل أجدادهم، ثم سألتها كيف تجمعين «جِدّ» بكسر الجيم كما هو مستعمل في بعض اللغات المحكية في بلادنا، فقالت: أجداد، فقلت لها وجُدود أيضًا، وأمر جموع التكسير غريب؛ إذ ليس يجزم بقياسية تركن إلى قاعدة صُلبة لكثرة الاستثناء ولتوارد الجموع لمفرد واحد، فيظل الأمر رهن الثقافة اللغوية والمعرفة بالاستعمال المسموع؛ ولكن الذي يمكن أن يعوّل عليه هو أن نقيس غير المروي على ما روي، وإنْ قلّ، فهم قاسوا في النسب على مثال واحد هو كل المجموع وهو (شنوءة) التي ينسب إليها فيقال «شنئيّ» فصار كلّ ما هو على فَعولة ينسب مثله. وأما الجِدّ الذي هو أبو الأب أو أبو الأم فلم أجده في المعجمات التي بين يديّ بالكسر، والموجود بفتح الجيم، ولكن عبدالمنعم سيد عبدالعال ذكر ذلك في كتابه (جموع التصحيح والتكسير في اللغة العربية) وكذلك في كتابه (الشامل لجموع التصحيح والتكسير في اللغة العربية) قال «الْجَدُّ بفتح الجيم والْجِدُّ بكسرها: أبو الأب وأبو الأم، والجمع أجْداد وجُدُودٌ وجُدُودَةٌ»(1). ومثله (الحِبّ) قال ابن سيده «والحِبُّ: المحبوب ... وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ [الحِبَّة]. وجمعُ الحِبّ أحبابٌ وحِبَّانٌ وحُبُوبٌ وحِبَبَةٌ وحُبٌّ»(2)، ومثله (الرِّدُّ)، قال ابن عباد «والرِّدُّ: ما صارَ عِمَادًا للشَّيْءِ يَرُدُّه ويَدْفَعُه. والصَّنّاعَةُ(3) يُحْبَسُ بها الماءُ، وجَمْعُه رُدُوْدٌ»(4). ومثله (السِبّ)، قال ابن منظور «والسِّبُّ: السِّتْرُ. والسِّبُّ: الخمارُ. والسِّبُّ: العِمامة. والسِّبُّ: شُقَّة كَتَّانٍ رقِيقة. والسَّبِيبَةُ مِثلُه، وَالْجَمْعُ السُّبُوبُ، والسَّبائِبُ... والسِّبُّ: الثَّوْبُ الرَّقِيقُ، وجَمْعُه أَيضًا سُبُوبٌ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: السُّبُوبُ الثِّيابُ الرِّقاقُ، واحدُها سِبٌّ»(5). ومثله (السِّم) قال الفيومي «السَّمُّ مَا يَقْتُلُ بِالْفَتْحِ فِي الْأَكْثَرِ وَجَمْعُهُ سُمُومٌ، مِثْلُ: فَلْسٍ وَفُلُوسٍ، وَسِمَامٌ أَيْضًا مِثْلُ: سَهْمٍ وَسِهَامٍ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ لِأَهْلِ الْعَالِيَةِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ لِبَنِي تَمِيمٍ»(6). ومثله (الشِّصّ)، قال ابن منظور «والشِّصُّ: اللِّصُّ الَّذِي لَا يَدَعُ شَيْئًا إِلا أَتى عَلَيْهِ، وجمعُه شُصُوصٌ. يُقَالُ: إِنه شِصٌ مِنَ الشُّصُوصِ. والشَّصُّ والشِّصُّ: شَيْءٌ يُصادُ بِهِ السَّمَكُ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحْسَبُه عَرَبِيًّا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي رَجُلٍ أَلْقى شِصَّهُ وأَخذ سَمَكةً: الشِّصُّ الشَّصُّ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، حَدِيدَةٌ عَقْفاءُ يُصادُ بها السمك»(7). ومثله (الشِّفّ)، قال ابن سيده «والشَّفّ، والشِّفّ: الثَّوْب الرَّقِيق. وَقيل: السّتْر الرَّقِيق يرى مَا وَرَاءه. وجمعهما: شُفوف»(8). ومثله (الظِّلّ)، قال الفيروزآبادي «الظِلُّ، بالكسر: نَقِيضُ الضِّحِّ، أو هو الفَيْءُ، أو هو بالغَداةِ، والفَيْءُ بالعَشِيِّ. ج: ظِلالٌ وظُلولٌ وأظْلالٌ»(9). ومثله (العِضّ)، قال الزبيدي «والعِضُّ: (الدَّاهِيَةُ)، وَفِي الصّحاح: الدَّاهِين الرِّجَال، (ج عُضُوضٌ)، بالضّمّ، وأَعْضَاضٌ»(10). ومثله (القِطّ) قال الخليل «والقِطُّ: كتاب المحاسبة، وجمعه قُطُوطٌ. والقِطُّ: النصيب لقوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص-16]»(11). ومثله (اللِّصّ)، قال ابن منظور «قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لِصٌّ ولَصٌّ ولُصٌّ ولِصْتٌ ولَصْتٌ، وَجَمْعُ لَصٍّ لُصُوصٌ، وجمعُ لِصّ لُصُوصٌ ولِصَصةٌ مِثْلُ قُرُودٍ وقِرَدةٍ، وَجَمْعُ اللُّصّ لُصُوصٌ، مِثْلُ خُصٍّ وخُصوص»(12). ولعلنا بعد هذه النظائر نطمئن إلى سلامة جمع سِنّ على سنون، ولا يضير أن تشارك في اللفظ جمع سنة جمع سلامة على (سنون). ... ... ... (*) مهداة إلى ابنتنا الطالبة النجيبة نورة الشايع وفقها الله. (1) عبدالمنعم سيد عبدالعال، الشامل لجموع التصحيح والتكسير في اللغة العربية، ص220. (2) ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، 2: 543. (3) جاء في التهذيب للأزهري (2: 25) «الصَّنَّاعة: خَشَبَة تُتّخذ فِي المَاء ليحبس بهَا المَاء وتُمسكه حينًا». (4) ابن عباد، المحيط في اللغة، 9: 257. (5) ابن منظور، لسان العرب، 1: 456. (6) الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 289. (7) ابن منظور، لسان العرب، 7: 48. (8) ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، 7: 622. (9) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص 1028. (10) الزبيدي، تاج العروس، 18: 439. (11) الخليل بن أحمد، العين، 5: 15. (12) ابن منظور، لسان العرب، 7: 87.