أكمل من حيث انتهيت في مقال الأسبوع الماضي؛ ومسترشدا بمقالات أخرى حول «الإستراتيجية الإعلامية»؛ «الاستثمار في الإعلام الخارجي»؛ و «مرتزقة الإعلام»؛ مركزا على أهمية وجود «إستراتيجية إعلامية عليا» تحكم العمل الإعلامي وتنظمه وتخضعه لمعايير دقيقة لا يُقبل تجاوزها أو الخطأ فيها؛ وأشير إلى سرعة رد وزير الخارجية؛ عادل الجبير؛ في صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» على مقالة محمد جواد ظريف؛ واتهامه السعودية برعاية الإرهاب. اعتمد الجبير في مقالته على الحقائق الدامغة؛ لا الجمل الإنشائية؛ وغلفها بسحره البياني؛ ولغته الراقية؛ وهو أسلوب احترافي فاعل في مواجهة الإدعاءات الباطلة؛ ومؤثر في تغيير توجهات الرأي العام التي تعتمد كثيرا على أحكامها المسبقة في تقبلها المقالات والتقارير المليئة بالأكاذيب. عزف ظريف على وتر «الإرهاب» في يومه التاريخي مستغلا ذكرى 11 سبتمبر لتمرير أكاذيبه؛ وشيطنة السعودية؛ بأسلوب خبيث توافق مع ما يتمناه الغرب للسعودية؛ وهو وإن حقق بعض المكاسب الوقتية إلا أن تفنيد إدعاءاته؛ وفضح النظام الإيراني بالحقائق الدامغة؛ ستسهم في إضعاف مصداقيته وبالتالي تجنب الاعتماد على تصريحاته وكتاباته مستقبلا. تستخدم شركات العلاقات العامة المحترفة السجل التاريخي للقضاء على أية شخصية مستهدفة؛ وقد لا يحتاجون إلى تكذيب ما قاله بقدر حاجتهم إلى إظهار الحقائق الدامغة؛ وإبراز كذبه المعتاد في أكثر من قضية لوأد كل ما قاله وسيقوله مستقبلا، وهو الأسلوب الذي أزعم أن الجبير يستخدمه كثيرا في حربه الإعلامية والدبلوماسية ضد النظام الإيراني ومرتزقة الإعلام. التعامل مع الرأي العام الغربي في حاجة إلى احترافية تعتمد الثقافة الغربية قاعدة لها؛ وأحسب أن الوزير الجبير خير من يفهم ذلك البعد الثقافي والفكري واللغوي؛ ما ساعد على تحقيقه بالغ الأثر في المجتمعات والمؤسسات الغربية المتلقية لمقالاته وخطاباته المباشرة. شكل الجبير منفردا؛ منظومة إعلامية دفاعية عن مصالح المملكة؛ خاصة في حربها ضد عملاء «إستراتيجية الشيطنة» التي تتشارك فيها إيران مع بعض دول الغرب ممثلة في مؤسساتها الرسمية، البحثية، والمجتمعية. هناك محاولة جادة ل (شيطنة) السعودية، وتحميلها وزر ما يحدث من إرهاب في المنطقة؛ لأهداف لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب بل بإعادة تشكيل المنطقة. ظريف؛ ومنظومة الدعاية الإيرانية؛ ليسوا إلا ترس في ماكينة الدعاية الأمريكية الكبرى؛ ما يستوجب الانتباه لمصدر الخطر الحقيقي لا أداته فحسب. الاتهامات «الصهيوأمريكية الصفوية» الموجَّهة ضد السعودية أشبه بكرة الثلج التي تتضخم شيئاً فشيئاً؛ ما يستوجب التحرك ضدها بطريقة احترافية، وقبل أن تحقق أهدافها المشؤومة. نحن في أمسّ الحاجة إلى منظومة إعلامية خارجية قادرة على مواجهة الغرب في عقر دارهم؛ وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بضخ استثمارات نوعية في الإعلام الخارجي ومراكز البحث والمؤسسات المجتمعية للتأثير على الرأي العام الأمريكي، ومتخذي القرار. جهود الجبير المباركة في حاجة لتعزيزها بمنظومة إعلامية متكاملة قادرة على التعامل الفوري و المحترف والمستدام مع الرأي العام الغربي؛ لتكون سندا للخارجية من جهة؛ ورأس حربة للمملكة في مواجهتها الإعلام الغربي بتوجهاته المختلفة. منظومة إعلامية تخضع لإستراتيجية عليا؛ تتكفل بوضعها شركات عالمية محترفة؛ وتلتزم الحكومة بتنفيذها وفق آلية تعتمد تفويض الصلاحيات الكاملة للمسؤولين عنها؛ وبما يساعد على الإبداع وتحقيق الأهداف المرجوة. تتحكم الإستراتيجية الإعلامية بمخرجات الإعلام الداخلي والخارجي وفق ضوابط محددة ومعايير محترفة وبيانات دقيقة تجعل من الإعلام السعودي قوة ضاربة ومتوافقة مع مكانة المملكة وقدراتها السياسية والاقتصادية. كتبت مطلع العام الحالي في مقالة «الاستثمار في الإعلام الخارجي ومراكز البحث» ما نصه: «لا أعتقد أننا في حاجة إلى التذكير بقدرات المملكة المالية، وعلاقاتها الدبلوماسية، وقدراتها الاحترافية.. غير أننا في أمسّ الحاجة إلى الإيمان بقدرة الإعلام ومراكز البحث على تحقيق الحماية التامة للمملكة في مواجهتها الحملات الإعلامية والتقارير الاستخباراتية والدراسات البحثية التي تؤسس لذريعة التدخل أو المواجهة المستقبلية مع السعودية. لدينا كفاءات سعودية قادرة على مواجهة الحملات الإعلامية المسعورة، ولدينا المبتعثون الذين تشربوا الفكر الغربي؛ فأصبحوا قادرين على مخاطبة الغرب بثقافتهم ولغتهم وأساليبهم الخاصة. لدينا أيضاً السفارات التي يمكن أن تشكِّل منظومة إعلامية متكاملة إذا ما أُحسن توجيه القائمين عليها. ولدينا قاعدة عريضة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي القادرين على تفنيد أي خبر أو رأي ضد السعودية متى وُفّرت لهم مراكز رصد وتقصي الأخبار المشوهة وحشد الرأي العام. ولدينا المال والفكر والخبراء.. وكل ما نحتاج إليه هو دعم الحكومة لإيجاد منظومة إعلامية بحثية متكاملة، تدعم السياسة السعودية في الخارج، وتتولى الدفاع عنها، وتوفر مراكز رصد لكل ما يكتب عن السعودية بلغات العالم، ومواجهة الحملات الإعلامية، وتأسيس جماعات ضغط غربية موالية للسعودية، إضافة إلى تحفيز الوطنيين وإعطائهم فرصة للدفاع عن وطنهم ومقدراتهم المستهدفة، وحشد جهود مستخدمي الشبكات العنكبوتية وتوجيههم للدفاع عن قضاياهم، والتعليق على المقالات والأخبار المسيئة». كل ما نرجوه أن يُخضع الإعلام السعودي إلى إعادة هيكلة شاملة لضمان توافق رؤيته وبرامجه وأدواته مع الرؤية التنموية التطويرية للحكومة؛ وأن نمتلك أدوات التعامل المؤثر مع الخارج والداخل من خلال منظومة إعلامية تكاملية محترفة تُدار من قيادة عليا تجمع بين البعد الإعلامي السياسي الاقتصادي المجتمعي والاستخباري؛ وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إستراتيجية شمولية واضحة الأهداف والبرامج ومنضبطة المعايير تلتزم الحكومة بتنفيذها بشكل احترافي متوافق مع ما يحدث في الإعلام الغربي.