لقد حصد انحدار أسعار النفط المزيد من الضحايا في منطقة الخليج العربي: مديري المصارف الاستثمارية. فالعديد من أبرع المسؤولين في مجال إبرام الصفقات يتركون مناصبهم، في الوقت الذي انحدرت فيه أنشطة الدمج بين الشركات وإصدار السندات إلى أدنى مستوياتها في عقد من الزمن، وخلال الأشهر القليلة الماضية، تنحّى كل من رئيس عمليات الدمج والاستحواذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى «ستاندرد تشارترد» توم إيميت، والرئيس التنفيذي لمصرف «بي أن بي باريبا» في الشرق الأوسط وأفريقيا جان-كريستوف دوران، ورئيس أسواق الدين في الشرق الأوسط لدى «مورغان ستانلي» كريستوف بول، إلى جانب الرئيس المشارك لصيرفة الشركات والصيرفة الاستثمارية في الخليج العربي لدى «دويتشه بنك» شايلش دوشي. وقد عزا المسؤولون المصرفيون قرارهم هذا إلى أسباب متعددة أكّدها أرباب العمل، لكن يشير المناخ السائد والثابت على حاله إلى أن النشاط الأساسي الذي يشكّل صلب عمليات الصيرفة الاستثمارية قد توقّف في الخليج العربي وتسبّب بانحسار التفاؤل الذي أدّى إلى التهافت على المنطقة قبل عقد من الزمن. وأفاد في هذا الإطار أحد المصرفيين الذي استقال قبيْل منتصف تشرين الثاني / نوفمبر لمغادرة القطاع المصرفي برمّته، أن «هذا الوقت ليس الأفضل للعمل في الميدان المصرفي». يشار إلى أن تراجع أسعار الخام خلّف آثاراً في مختلف دول الخليج العربي التي تَعتمد على النفط، حيث بات يتعيّن على الحكومات التصدّي لازدياد العجز في موازناتها وتباطؤ الاقتصاديات بعد أعوام من النموالسريع. وفي الوقت عينه، يساور القلق المستثمرين حيال بروز مشاكل أمنية بسبب النزاعيْن الدائريْن في سوريا واليمن، والانقسامات في ليبيا، وأعمال العنف في العراق. أما بالنسبة إلى أحجام الاتفاقات وقيمتها الإجمالية، فقد سجل نشاط الدمج والاستحواذ في الشرق الأوسط هذا العام أدنى مستوياته منذ 2005، وفق شركة «ديالوجيك» المزوّدة للبيانات. وتشمل أبرز صفقات العام الجاري عرضاً بقيمة 2.7 مليار دولار تقدّمت به «بترول الإمارات الوطنية» لشراء حصة إضافية في «دراغون أويل»، وصفقة أخرى بقيمة 2.2 مليار دولار خاصة بمجموعة مستشفيات في أبوظبي لم تُنجز بعد، حسبما أضافت «ديالوجيك». هذا وقد واجهت أسواق رأس مال الدين في المنطقة إحدى أسوأ الفترات التي اختبرتها خلال سنوات، رغم احتمال إصدار سندات سيادية. من ناحية أخرى، لم يشهد الربع الأخير أي طرح عام أولي. من جهته، قال مروان العربي، الشريك المدير لمنطقة الشرق الأوسط في مكتب المحاماة «شيرمان أند ستيرلنغ»، إن «الأسواق الناشئة العالمية كانت تواجه الكثير من الصعوبات، وباتت آفاق المستقبل قاتمة أكثر بكثير مما كان بدأ يتوقّعه العديد من المصرفيين. فقبل سنوات، تهافتت مصارف استثمارية عالمية مثل «كريديت سويس» و»جي بي مورغان تشايس» على مركز دبي المالي الذي كان أُنشئ حديثاً، بعدما جذبتها إمكانات النمو واحتمالات إجراء معاملات ضخمة مع صناديق الثروة السيادية الغنية بالعائدات النفطية. وقد حقّقت الإستراتيجية أهدافها المرجوة في بادئ الأمر عندما اقتنصت الكيانات الحكومية في دبي وصندوق الثروة السيادية القطري أصولاً في جميع أنحاء العالم، بما فيها متجر «هارودز» المتعدد الأقسام في لندن. وجاءت أول انتكاسة في العام 2009 عندما دفعت الأزمة المالية العالمية بالإمارة الخليجية إلى شفير العجز عن تسديد ديونها. ومنذ ذلك الحين، قلّصت المصارف الاستثمارية التكاليف من خلال تسريح عدد كبير من المصرفيين. كما تبيّن أن التعافي المحدود في نشاط الصيرفة الاستثمارية خلال السنوات القليلة الماضية كان عابراً بعدما قوّض انخفاض أسعار النفط ثقة المستثمرين. وتؤكّد بعض الشركات الصغيرة المتخصّصة في مجال الاستشارات أن المنطقة لا تزال زاخرة بالأنشطة، وإن كانت على نطاق أضيق من السابق. وصرّحت في هذا السياق مي نصرالله، التي كانت مسؤولة تنفيذية لدى «مورغان ستانلي» قبل أن تؤسّس شركة «دي نوفو كوربوريت أدفيزورز» في العام 2010، بأن «عدداً كبيراً من المعاملات المحلية تجري بين المجموعات العاملة في المنطقة». في المقابل، يرى مستشارون أن تراجع وتيرة الأعمال إقليمياً لا يتعلق بأسعار النفط المنخفضة والمخاطر السياسية المتنامية فحسب، بل ثمة عوامل عالمية أيضاً، تشمل عدم الاستقرار الاقتصادي المتأتّي من التباطؤ في الصين. وقد حوّل تباطؤ الأعمال عموماً المكاتب في المنطقة إلى هدف لعمليات إعادة الهيكلة التي تجريها مصارف كبيرة متعددة الجنسيات، على غرار «ستاندرد تشارترد» وذلك بحسب تقرير داو جونز. كما أن بعض صناديق الثروة السيادية حدّت من سياستها التوسّعية القائمة على الاستحواذ التي انتهجتها على مدى السنوات السابقة في الوقت الذي تبحث فيه حكوماتها عن سبل لخفض الإنفاق. ولفت علي أصغر، المسؤول التنفيذي السابق لدى مصرف «لازارد» والذي أنشأ شركته الخاصة للخدمات المالية «إميرجنغ سركل» في العام 2013، إلى أن «الثروة النفطية باتت تُستخدم الآن لتسديد النفقات الحكومية»، مضيفاً أن «زمن الصفقات الرنّانة والاتفاقات المبهرة قد ولّى».