أصبح نظام «رسوم الأراضي البيضاء» واقعًا بعد إقراره من مجلس الوزراء؛ ووضع مدة زمنية للبدء في تطبيقه؛ وتكليف وزارة الإسكان بإعداد لائحته التنظيمية. يمكن تصنيف نظام الرسوم ضمن مبادرات إصلاح السياسة الاقتصادية؛ والخطوات العملية الموجهة لمعالجة أزمة الإسكان؛ وتشوهات السوق الناجمة عن احتكار الأراضي. لم تكن الرسوم مطلبًا حكوميًا لزيادة الدخل؛ بل كانت جزءًا مهمًا من حزمة المعالجة الشاملة لأزمة الإسكان؛ وأحسب أنها حملت على اتخاذ قرارها لتحقيق التوازن الأمثل بين العرض والطلب؛ وتحقيق معايير المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار؛ وبالتالي معالجة أزمة الإسكان. وزير الإسكان؛ ماجد الحقيل؛ أبدى تفاؤله بالنظام وأعتبره «خطوة إيجابية ليتمكن المواطن من الحصول على وحدة سكنية بسعر مناسب»؛ وهو الجانب الأكثر أهمية للمواطنين. تتعامل الحكومة بحيادية مع قطاع العقار؛ غير أن تفاقم أزمة الإسكان المرتبطة بشح الأراضي وتضخم أسعارها؛ وإنعكاساتها السلبية على الأمن والمجتمع والأسر السعودية؛ حملها على التدخل من أجل تحقيق العدالة المجتمعية؛ وهو التدخل الذي حظي بترحيب شعبي لافت؛ ومباركة مشوبة بالتحفظ من قبل العقاريين!. تحولت مناورة تجار العقار المُعرقلة ل «مشروع الرسوم البيضاء» في بداياته الأولى؛ إلى ضغط إعلامي موجه للتأثير على لائحة النظام التنفيذية وبما يضمن تفريغها من هدفها الرئيس؛ وهو أمر استبعد نجاحهم فيه؛ بسبب إصرار الحكومة على إمضاء النظام المحقق للمصلحة العامة؛ وفق أهدافه الإستراتيجية المرتبطة بالبناء والتطوير وزيادة معروض الأراضي. محاولة الضغط الإعلامي كانت حاضرة في برنامج «بوضوح» الذي بث على القناة السعودية الأولى؛ في حلقته الخاصة عن قرار نظام رسوم الأراضي البيضاء؛ الذي شهد توجيهًا في معلوماته، ومحتواه؛ من قبل العقاريين المشاركين فيه؛ من حق العقاريين؛ ومن ناصرهم من الخبراء؛ إبداء رأيهم الصريح في النظام؛ والدفاع عن مصالحهم؛ إلا أنهم مطالبون بمصداقية الطرح؛ والتأكَّد من دقة ما يقدمونه من معلومات؛ والأخذ في الاعتبار الرؤية الشمولية؛ وأهمية تحقيق المصلحة الوطنية العامة وإن أثرت جزئيًا في حجم أرباحهم المتضخمة. في تعليقه على نسبة الرسم المحددة ب 2.5 في المائة؛ أشار أحد المشاركين في البرنامج؛ إلى أن «الحكومة وقعت في حرج» بسبب تطابق الرسم المقترح مع نسبة الزكاة الشرعية؛ وأن بعض العقاريين ربما سوغ لنفسه اعتبار رسم الأراضي البيضاء زكاة!. الحقيقة أن الحكومة كانت أكثر شفافية وعدالة في تحديدها نسبة الرسم؛ وهيكلته؛ وشروط وآلية تطبيقه؛ وبما لا يدع مجالاً للبس؛ أو الوقوع في (الحرج)؛ بل ربما وقع العقاريون أنفسهم في الحرج الذي حاولوا إلصاقه بالحكومة؛ بعد أن راهنوا على عدم تطبيق القرار؛ ثم جاهدوا من أجل تقليص مكتسباته؛ فشرقوا وغربوا في تفسير المفسر؛ وإنكار المثبت؛ ومحاولة تمرير ما لم يكن موجودًا في القرار؛ كإلغاء الرسوم مستقبلاً؛ بعد وصول سوق العقار نقطة التوازن؛ وتجزئة النطاق العمراني؛ والأوزان؛ وإعادة تعريف الأراضي المستهدفة بالقرار. الزكاة من أركان الإسلام الخمسة؛ وجبايتها مرتبطة بتشريعات واضحة لا لبس فيها؛ ولها مصارفها المحددة بنص القرآن الكريم؛ فهل يعقل أن يخلط المسلم بينها وبين الرسم؛ وإن تطابقت نسبتيهما؟!. ولعلي أطرح رأيًا للحؤول دون خلط بعض العقاريين بين الزكاة والرسم؛ بأن تقوم الحكومة بجباية زكاة الأراضي جنبًا إلى جنب مع تحصيل الرسوم؛ ليصبح مجمل ما يدفعه مالك الأرض 5 في المائة سنويًا؛ وهو مخرج آمن لإبراء ذمة من التبس عليهم الأمر فخلطوا بين الرسوم والزكاة. اختم بالتركيز على جانين مهمين في قرار مجلس الوزراء؛ الأول الضوابط اللازمة لتطبيق الرسم بعدالة؛ وهو ما حمل الحكومة على اختيار النسبة المئوية من قيمة الأرض بدلاً من الرسم المقطوع؛ حيث تحقق هذه الآلية؛ برغم تحديات تطبيقها لأسباب مرتبطة بالتقييم؛ العدالة للعقاريين أنفسهم قبل الآخرين؛ إضافة إلى تحديد مهلة عادلة لملاك الأراضي قبل تطبيق الرسوم؛ وإزالة معوقات التطوير والبناء ذات العلاقة بالأنظمة الحكومية. أما الثاني فيرتبط بإيداع رسوم الأراضي في حساب مخصص للصرف على مشروعات الإسكان؛ بحيث تمول الرسوم مشروعات الإسكان وتسهم في معالجة الأزمة من جانبين؛ ضخ مزيد من الأراضي والوحدات السكنية في السوق تحت ضغط الرسوم؛ وتوفير التمويل المناسب للإنفاق على مشروعات الإسكان مستقبلاً.