تكررت حوادث القتل على الهوية المذهبية أكثر مما يتحمل الأمن الداخلي، ومن هنا السؤال المقلق، هل تجذرت بيننا نبتة العنف المذهبي الخبيثه إلى هذا الحد، ومتى يتم القضاء عليها بشكل نهائي؟. في الأيام القليلة الماضية تكررت جريمة الدالوة والقديح والدمام، هذه المرة في سيهات. في نفس الأسبوع تعرض سائق التاكسي المواطن السعودي محفوظ الياسين إلى محاكمة تفتيش واعتداء معنوي وجسدي داخل سيارة الأجرة الخاصة به. أباح مواطن سعودي آخر لنفسه القيام بالتحقيق والتهديد والتأديب بحق المواطن الياسين، لأنه لاحظ في سيارة الأجرة رمزا ً مذهبيا ً يتدلى من المرآة يخالف قناعة الراكب المذهبية. صاحب التاكسي محفوظ الياسين شيعي والراكب سني وجمعهما قدر الله في سيارة واحدة دون رقابة. لم يكن هناك خلاف سابق أو أي سبب للعدوانية المعنوية والجسدية التي تعرض لها مواطن سعودي من مواطن سعودي آخر غير اختلاف المذهب. من المرجح أن الراكب العدواني لم يكن ليجرؤ على فعلته لو أن السائق كان ذمياً والمدلاة ترمز إلى معتقد آخر غير الإسلام. نبتة العنف المذهبية هذه متى نحصل على مبيد آفات مناسب لنتخلص منها نهائيا ً قبل أن تتحول إلى السلاح الأشد فتكاً بيد أعدائنا الكثر لهذا الوطن، الذي إن فقدناه عدنا حفاة جوعى ينهب بعضنا البعض الآخر، ولا فرق عندئذ بين سني وشيعي في المعاناة والبؤس. المشهد الذي انتشر بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي كان مروعا ً. في داخل التاكسي يتحول الراكب إلى سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية، تجاه مواطن آخر أكبر منه في السن ثلاث مرات. ماهو السبب الذي أوصل الراكب العدواني إلى الاعتقاد بحقه في ممارسة كل السلطات بيده، مستفردا ً بمواطن كهل يكدح بسيارة الأجره لكسب رزق أهله وأولاده بالحلال. زمجرة الاستقواء ومد اليد بالضرب والاستجواب العنفي لم تكن لتحدث لولا توفر الشحن المسبق بالكراهية والاتكاء على مفهوم مشوه للإسلام والإحساس الخادع بأن الاعتداء واجب شرعي لا يعاقب عليه فاعله، بل يثاب. احتمال كون الراكب العنيف مصاب بمرض العدوانية النفسي، هذا جائز ولكن الصحف ألمحت إلى أنه من منسوبي وزارة الداخلية، وهذه الوزارة بالذات أحرص من الجميع على سلامة عقول منسوبيها والتزامهم بأنظمة الدولة ولا مكان للمجانين بداخلها. كان من المحتمل جدا ً أن يتعرض المواطن محفوظ الياسين لسكتة قلبية أو دماغية، كنتيجة لهول المفاجأة والاستفراد به داخل زنزانة متحركة مع شاب عدواني لا يمكن التكهن بكيفية إنهائه جلسة التحقيق التي بدأها. عناية الله ثم سعة صدر المواطن محفوظ الياسين وعفويته لدرجة السذاجة جعلت النهاية في صالح البقاء على قيد الحياة، حياة سائق التاكسي. ما يجب قوله مرارا ً وتكرارا ً وبأعلى صوت أن لدينا مشكلة مع العنف المتعدي على سلطات الدولة وحقوق المواطن والمقيم، يتم الترويج له في الخفاء وبما يشبه العلن، والعالم كله يهاجمنا ويكرهنا بسبب قبح منطق ومخرجات هذا العنف. هذه الحقيقة يجب أن تقال وتكرر إلى أن يتم التعامل معها باستئصال الشأفة، قبل أن تستأصل هي شأفة المجتمع. بسبب الثقة العدوانية الزائدة للراكب بنفسه تعرفت السلطات والمجتمع عليه، لأنه هو الذي صور الموقف ونشره على وسائل التواصل. كان ذلك من توفيق الله، وإلا لربما لم يكن أحد سوف يصدق المواطن محفوظ الياسين لو قدم شكواه ضد مجهول. أصالة عن نفسي أقدم اعتذاري كمواطن مسلم إلى المواطن المسلم محفوظ الياسين وذويه.