* هل يصح لي بيع جلود الأغنام بعد ذبحها وقبل تنظيفها؟ - جلود الأغنام بعد الذبح تكون ملوثةً، وتلويثها إمّا أن يكون بنجاسة من الدم المسفوح أو من غيره مما هو محكوم بطهارته. فإن كان تلوثها بالنجاسة فعلى الخلاف بين أهل العلم في بيع المتنجِّس، والأولى ألّا يباع حتى يُنظَّف خروجًا من الخلاف. وأما إذا كان تلوثها بأمر غير نجس ولو كان مستقذرًا فإن هذا لا مانع منه، ولا شيء فيه، فإن تولى تنظيفه فهو أولى، وإن تركه من غير تنظيف فيتولى تنظيفه من اشتراه. * * * المال والبنون * ما معنى قول الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (46) سورة الكهف؟ - قول الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ} بالنسبة لمعانيها معروفة، والسبب في كونهما زينة للحياة الدنيا هو كما قال أهل العلم: إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا؛ لأن في المال جمالًا ونفعًا، وفي البنين قوةً ودفعًا، فصارا زينة الحياة الدنيا. فالمال ينتفع به الإنسان ويتجمل به، والولد يتقوى به ويدفع به، فصارا زينة الحياة الدنيا. وقول الله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} مما يدل على أن هذه الحياة الدنيا بما فيها من المتع مفضولة بالنسبة للآخرة وما يتعلق بها. {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} يختلف فيها أهل العلم اختلافًا كثيرًا، وجاء من السنة ما يدل على أنها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، التي هي غراس الجنة، كما جاء الخبر بقول إبراهيم -عليه السلام- لنبينا -عليه الصلاة والسلام- «يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» [الترمذي: 3462]، ومنهم من قال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} الصلوات الخمس، وهذا منقولٌ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وسعيد بن جبير وغيرهما، ونُقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضًا أنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، وهذا مأخوذ من {الْبَاقِيَاتُ} فهو يبقى للآخرة، وهذا رجّحه الطبري، وقال القرطبي: (هو الصحيح إن شاء الله؛ لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا)، أي: الباقيات الصالحات، إذا كان من الأعمال الصالحة. * * * التخلص من الأموال الربوية * رجل تائب وعنده أموال ربوية كثيرة، كيف تكون طريقة التخلص منها؟ - أولًا الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، وهو من عظائم الأمور، ومن الموبقات، وحرب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا تاب المرابي فعليه أن يتخلص ولا يبقي حينئذٍ إلا رأس ماله، كما قال تعالى: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (279) سورة البقرة، على خلاف بين أهل العلم في المراد برأس المال هل هو الذي دخل به التجارة في البداية، أم رأس ماله عند التوبة بحيث ما دخل في ملكه تشمله التوبة. والتوبة تهدم ما كان قبلها، وما بقي في أيدي الناس من هذه الأموال الزائدة على رأس المال لا يجوز له أن يستوفيه. فمنهم من يقول: المقصود الأموال التي دخل بها. ومنهم من يقول: إن المقصود له رأس ماله وقت التوبة. فهذه مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن على كل حال، القدر الزائد على رأس المال يجب عليه أن يتخلص منه. ومنهم من يقول: إنه يصرفه فيما يُنتفع به بغير نية التقرب إلى الله - جل وعلا -؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا. ومنهم من يقول: إنه يصرفه في المصارف الخبيثة كدورات المياه، وأعلاف الأغنام، وما أشبه ذلك، كما جاء في قوله - عليه الصلاة والسلام - «كسب الحجام خبيث» [مسلم: 1568]، ثم قال: «أعلفه ناضحك» [أبو داود: 3422]. ولا شك أن الربا أخبث بكثير من كسب الحجام. والله المستعان. * * * التصدُّق من الكسب الخبيث * المال الخبيث ككسب الحجام هل يصح أن يُتصدق منه؟ وإن صح التصدق منه فكيف نجمع بين هذه الصحة والحديث الذي في (صحيح مسلم) «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً»؟ - الوصف ب(خبيث) لا شك أنّه متفاوت، ففي قوله - جل وعلا - {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (157) سورة الأعراف، المقصود بها المحرمات. فالربا خبيث؛ لأنّه محرم. وأما بالنسبة لكسب الحجام ووصفه بأنّه خبيث فكسبه جائز وحلال، لكن فيه شيئاً من الدناءة. ولأن الحِجامة وغيرها من المنافع التي ينبغي أن تُتداول بين المسلمين من غير مقابلة ومن غير مقاضاة، بل يتعاون بعض الناس، وينتفع بعضهم من بعض بدون مقابل. هذا الأصل الذي حث عليه الشرع. لكن إذا تكسّب من وراء الحجامة فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - «احتجم وأعطى الحجام أجره» [البخاري: 5691]. ولو كان حرامًا لم يعطه. وعلى هذا فوصفه بالخبث يعني أنَّه أقل. قال تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} (267) سورة البقرة، فإذا كان عندك من المأكول أو من الملبوس أو من المركوب شيء أقل، وعندك شيء أعلى، فالتوجيه أنّك تتصدق من الأعلى {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} الذي هو أقل وأدنى. وفي ذلك يقول الله -جل وعلا- {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (92) سورة آل عمران. فكسب الحجام حلال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- «احتجم وأعطى الحجام أجره»، ولو كان حرامًا ما أعطاه -كما قدمنا-. والقاعدة أنَّ ما حرُم أخذه حَرُم دفعه، وما دام النبي - عليه الصلاة والسلام - دفع وأعطى الحجام فهذا يدل على الجواز. وهذا قول عامة أهل العلم. وعلى كل حال، يصح أن يتصدق الحجام من كسبه، لكن إن تصدق من ماله الذي هو أشرف من هذا المال الموصوف بأنه دنيء وخبيث فهذا أولى وأطيب ولا شك، ومما يدل على أن النفس فيها جود، والجود مطلوب في الشريعة كما قال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «كسب الحجام خبيث» [مسلم: 1568] جاء مثله في مهر البغي «مهر البغي خبيث» [مسلم: 1568] وهذا في غاية التحريم. وجاء أيضًا مثله في حلوان الكاهن [مسلم: 1568]، وهذا أيضًا أمره شديد، لكن وصف كسب الحجام بكونه خبيثًا لا يعني أنه محرَّم؛ لما قدمنا؛ وحينئذٍ يصح أن يتصدق منه، لكن إن تصدق من مالٍ أفضل منه وأنظف فهذا أولى وأعلى، وبه يُنَال البر، وأما كونه خبيثًا وقد جاء في الحديث «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً» [مسلم: 1015] فخبثه لا يخرجه عن كونه حلالًا، والحلال طيب لكن ينبغي أن يلاحظ أن ما يخرجه الإنسان لله - جل وعلا - ينبغي أن يكون بطيب نفس، بحيث لا يُفضِّل الأدنى على الأعلى، ويعرض عن الأجر المرتب على الأعلى. يجيب عنها - معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة للفتوى