تضمن تقرير وزارة التخطيط والاقتصاد الأخير دراسة للوضع الحالي لسوق العمل، وأشار إلى أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة بسبب أن غالبية الوظائف التي يعمل عليها القطاع الخاص لا تتطلب عمالة ماهرة أو متعلمة بينما البطالة غالبيتهم من الجامعيين والجامعيات. هذا يطرح تساؤلات عدة: هل كان هذا الاستنتاج مفاجئاً للوزارات والمجالس العليا والرأي العام؟ هل يبرر التقرير مسؤولية الوزارات ويلقي باللوم على القطاع الخاص؟ أليس قيادة وتطوير الصناعات المتقدمة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة من مهام وزارة التجارة والصناعة؟ أليس قيادة وتطوير خدمات وصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات من مهام وزارتها؟ والصناعة والخدمات الطبية من مهام وزارتها؟ والزراعة والسياحة وكذلك البقية.. أليس لدى كل تاجر أو مستثمر صغير الحرية في اختيار نوع النشاط الذي يقوم به؟ في السنوات الماضية وضحنا كثيراً أننا نمتلك الموارد لحل مشكلة البطالة، لكننا لا نمتلك المقومات، ولم نوجد العوامل التي نحتاج إليها لحل مشكلة البطالة، بينما صرفت وزارة العمل ملايين الريالات لكي تسوّق لإنجازاتها لحل مشكلة البطالة مع أنها خلقت تشوهات عديدة لسوق العمل، لا يمكن إصلاحها. بالنظر لصادرات السلع بين دول العالم التي تبلغ 18 تريليون دولار أمريكي نجد أن أكبر السلع غير النفطية المصدّرة بين الدول هي السيارات ومعدات النقل والإلكترونيات والأجهزة والمعدات الكهربائية والميكانيكية، التي تبلغ قيمتها أكثر من 6 تريليونات دولار. وبما أن هناك طلباً على هذه السلع نجد أن أكبر الدول تنتج وتصدر تلك السلع، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة والصين واليابان وألمانيا والمكسيك وفرنسا وإيطاليا وهولندا وكوريا الجنوبية. هذه السلع تُصدّر تقريباً إلى جميع دول العالم، ومنها المملكة العربية السعودية؛ إذ إننا نستورد السيارات ومعدات النقل والإلكترونيات والأجهزة والمعدات الكهربائية والميكانيكية، بوصفها أكبر السلع المستوردة بأكثر من 350 مليار ريال سنوياً، وهذا يمثل أكثر من 50 في المائة من واردات المملكة السنوية التي تفوق 650 مليار ريال، بعد أن كانت 156 مليار ريال قبل 10 سنوات، ولا تزال في تزايد. المملكة يجب أن تقتحم الصناعات وتقديم الخدمات المتقدمة؛ لكي تطور الاقتصاد المحلي، وتنافس الدول المتقدمة في التصدير بعد الاكتفاء المحلي من خلال كوادرها الوطنية خريجي وخريجات ال 30 جامعة محلية وبرامج الابتعاث وأكثر من 70 كلية تقنية وصناعية وصحية للشباب والشابات والمعاهد الصناعية. يجب أن نعلم أننا لا نملك ميزة الأيدي العاملة الرخيصة؛ فهذا يعني ألا نستهدف «مصانع التجميع» إلا إذا كانت كخطوة أولى للمضي قدماً. ويجب أن نعلم أنه يوجد لدينا مواد خام لتلك الصناعات، لكننا نصدرها كمواد خام دون الاستفادة منها في الصناعات، كالبلاستيك والألمنيوم. إذاً، فالخيار المتبقي هو الفكر والتصاميم وتصنيع المواد الأساسية لتلك السلع، وهذا يتطلب مراكز بحوث وتطوير وتفعيل دور الجامعات في ذلك، وأيضاً يتطلب استثمار الدولة عن طريق صناديق استثمارية في هذه الصناعات والخدمات المتقدمة؛ فالقطاع الخاص غير قادر على تلك الاستثمارات، وخصوصاً أن جدوى الأرباح غير مجدية في السنوات الأولى مقابل استثمارات عالية. لعل الوقت حان لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بأن يستعين بفريق عمل من أصحاب الكفاءات؛ لكي يقوم بتتبع تطورات أعمال الوزارات بشأن البطالة.