انطلقت في مقر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي في محافظة جدة أمس أعمال الدورة الخامسة لمسار إسطنبول «من الاعتماد إلى التنفيذ: كيفية تعزيز التنفيذ الفعال لقرار مجلس حقوق الإنسان 16/18» الخاص بمكافحة التحريض على الكراهية والتمييز والعنف بسبب الدين والمعتقد. وشهد الاجتماع الذي يستمر يومين حضورا كثيفا تجاوز 90 خبيرا دوليا في مجالات حقوق الإنسان والأقليات والقانون والسياسة، يمثلون جهات معنية عدة من بينها دول أعضاء في المنظمة وغير أعضاء ومنظمات دولية وهيئات غير حكومية وأوساط أكاديمية، إلى جانب قانونيين مختصين في هذا الشأن. وتحدث في الجلسة المفتوحة معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الأستاذ إياد بن أمين مدني، ورئيس مجلس حقوق الإنسان السفير يواخيم روكر، ومعالي الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، ورئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، البروفيسور إبراهيم صالح النعيمي. كما قدمت رسائل إلى الدورة الخامسة لمسار إسطنبول، من كل من: مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد بن زيد الحسين، ووزير خارجية الولاياتالمتحدة، جون كيري، والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، فيديريكا موغيريني، والممثلة الدائمة لجمهورية تشيلي لدى الأممالمتحدة في جنيف، السفيرة مارتا موراس، والمقرر الخاص للأمم المتحدة ديفيد كاي. وشدد معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي في كلمته على أنه بات من اللازم على الجميع بمختلف المستويات معالجة موضوع مكافحة التحريض على الكراهية والتمييز والعنف بسبب الدين والمعتقد الذي أضحى مظهرا من مظاهر العنصرية، بما في ذلك الموضوع الذي يثير لغطا كبيرا والمتعلق بالحد الفاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية. وقال «إنه مع تنامي اتجاهات الهجرة التي غيرت البنية الاجتماعية والثقافية لغالبية البلدان والمجتمعات، أصبح التمييز بسبب العرق وإعلان إخفاق التعددية الثقافية وصفة لانعدام الأمن وتأجيج النزاعات والتعصب», مستشهدا بطباعة رسوم عبثية مسيئة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وتدنيس الكتب والأماكن المقدسة وبما يرتكبه تنظيم داعش الإرهابي من أعمال تدمير وقتل مريع، وبالمعاملة المروعة التي يتعرض لها المسلمون الروهينجيا في ميانمار، مؤكدا أنها كلها عوامل أسفرت عن إشاعة ثقافة التمييز والعنف. وأفاد أنه لضمان إقامة نظام عالمي قوامه الاحترام المتبادل والتسامح وتقبل التنوع الديني، ظلت منظمة التعاون الإسلامي في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة التعصب والتمييز والعنف بسبب الدين والمعتقد, معتبرا قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 16/18 الإطار السياسي العالمي الأكثر توازنا وتركيزا وأقرته الأممالمتحدة لمكافحة التعصب والتمييز والتحريض على الكراهية والعنف ضد الناس بسبب الدين أو المعتقد، وهو قرار فريد من نوعه كونه يشتمل على متابعة ومسار. وحث المجتمعين على إجراء مناقشات صريحة ومفتوحة وبناءة تحت مظلة التعاون الإسلامي، للمساعدة على إيجاد حلول عملية للقضايا المستعصية، التي يمكن تطبيقها عالميا عبر مختلف الأنظمة القانونية، مشيرا إلى أن الرسالة الأساسية هي ضمان المعاملةالمتكافئة وتوفير الحماية العالمية لحقوق الأفراد والمجموعات والمجتمعات المستهدفة كافة. من جهته، أكد رئيس مجلس حقوق الإنسان، السفير يواخيم روكر أن مكافحة التعصب يجب أن يقوم بها المجتمع برمته وإشراك مؤسسات المجتمع المدني, مبينا أن منظومة الأممالمتحدة يمكن أن تقدم إسهامات في تنفيذ القرار 16/18، مع ضرورة وضع خارطة طريق لضمان التنفيذ السليم للقرار. من جانبه، قال معالي الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبدالرحمن بن معمر: إن الاجتماع يناقش قضية جوهرية بالنسبة لمجتمعاتنا تتمثل في كيفية المحافظة على حريتين متساويتي الأهمية: حرية اتباع الإنسان لما يمليه عليه ضميره وممارسته الدينية التي نشأ عليها، وحرية التعبير في الوقت ذاته. وأضاف أنه ينبغي للحوار بين أتباع الأديان، كما أشار القرار 16/18 عن حق، أن يكون نواة للجهود المشتركة في محاربة التعصب المرتكب باسم الدين والسعي لمكافحة التفرقة والعنف، مطالبا بتوفير حلول سياسية لمعالجة أسباب التعصب وخطاب الكراهية، مؤكدا أن الحلول السياسية وحدها لا يمكنها بناء الثقة والتعاون بين أشخاص من أديان وثقافات مختلفة، حيث لا يتحقق ذلك إلا من خلال الحوار البناء بين الأفراد والجماعات. وأشار ابن معمر إلى أن الحوار بشكل فعال يحتاج تقدير مساحة محايدة يتمكن عبرها الجانبان من البدء في فهم وجهة نظر بعضهما البعض، كما ينبغي للحوار أن يكون لقاء على أرضية مشتركة ومتكافئة، إذ إن الانتقاد والإقصاء يقتلان الحوار. وقال «من هذا المنطلق يأتي دور مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، إذ إننا لا نصدر أحكاما ولا نقصي أي أطراف وإنما نصنع فرصا يمكن معها للأشخاص مناقشة خلافاتهم بأمان». أما رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، البروفيسور إبراهيم صالح النعيمي، فقال إن المركز يؤكد أهمية العلاقات المشتركة والتوجه إلى توفير أرضية للحوار والتقارب بين بعضنا البعض، و»نتطلع إلى التنوع في حياتنا من مختلف الجهات المعنية وليس الحكومات فحسب». ويشهد الاجتماع ثلاث حلقات نقاش: تشمل الأولى معالجة مجالات التوتر المحتملة بين المجتمعات وتعزيز التفاهم والحوار، وذلك عبر تبادل وتداول أفضل الممارسات في مجال وضع استراتيجيات تواصل وإنشاء شبكات تعاون وتنفيذ مشروعات في مختلف المجالات الواردة في القرار 16/18، إضافة إلى تدريب المسؤولين الحكوميين والقادة الدينيين وقادة المجتمع على معالجة الأسباب الجذرية للتمييز على أساس الدين والمعتقد. ويتمثل موضوع حلقة النقاش الثانية في مواجهة الدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز والعداوة والعنف، من خلال تدابير إيجابية تتطرق إلى المجاهرة برفض أعمال الاستفزاز والقولبة النمطية والإساءة، وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات على مختلف المستويات. وتتعلق حلقة النقاش الثالثة بموضوع فهم ضرورة مواجهة الإساءة والقولبة الدينية السلبية للأشخاص، والتحريض على الكراهية، من خلال اعتماد تدابير تجرم التحريض على العنف الوشيك على أساس الدين أو المعتقد. ومن المقرر أن تصدر في ختام الاجتماع مجموعة من التوصيات العملية والملموسة للجهات المعنية، بهدف تيسير عملية تنفيذ خطة العمل والمفاوضات داخل الأممالمتحدة حول مكافحة التحريض على الكراهية والتمييز والعنف بسبب الدين والمعتقد. يذكر أن القرار 16/18، الذي أصدرته الجمعية العام للأمم المتحدة عام 2011 بتوافق الآراء، يأتي نتاجا لمبادرة منظمة التعاون الإسلامي من أجل التواصل مع شركائها الرئيسيين داخل الأممالمتحدة، بغرض صياغة نص يوجه النقاش بعيدا عن المفاهيم الخلافية واقتراح خطة عمل متوازنة وشاملة لمكافحة التحريض على الكراهية والعنف والتمييز بسبب الدين والمعتقد. مذكرة تفاهم من جهة ثانية، وقعت منظمة التعاون الإسلامي ومركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات أمس مذكرة تفاهم من أجل تعزيز التعاون والشراكة فيما بينهما في مجال الحوار بين الديانات والثقافات، وذلك بمقر المنظمة بجدة. ووقع الاتفاقية معالي أمين عام المنظمة الأستاذ إياد بن أمين مدني، فيما وقعها عن مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، أمين عام المركز الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر. وأوضحت منظمة التعاون الإسلامي أن توقيع المذكرة يأتي في ضوء التحديات العالمية الراهنة التي تستلزم من جميع الكيانات المعنية، الاهتمام والقيام بالمزيد من الأعمال من أجل ضمان التعايش السلمي، والوئام والتفاعل بين شعوب المجتمعات المختلفة، من أجل تعزيز الحوار بين الديانات والثقافات، مشيرة إلى أن لدى كل من الطرفين، مصالح مشتركة في هذا المجال، يتشاطران القناعة ذاتها بأن الحوار أداة رئيسية في درء النزاعات وفضها، ما يسهم في تحقيق السلم المستدام والتماسك الاجتماعي. وأبانت المنظمة أن مذكرة التفاهم ستسهم في تنفيذ مجموعة من البرامج والنشاطات لتعزيز الحوار بين الديانات والثقافات والحضارات عبر العالم، لافتة إلى أنها ترتبط بعلاقات تعاون مع مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، بعدد من المشروعات في عدد من الدول، من خلال تنظيم اجتماعات لتعزيز الحوار والتسامح والوفاق وبناء القدرات في عدد من البلدان.