الكلام الكثير الذي قيل عن أحد المستشفيات في شرق جدة وتم تناقله في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي ينطبق على الكثير من الأجهزة الحكومية. وملخص ما قيل هو أن المستشفى المشار إليه متهم بالتورط في توظيف أشخاص بالواسطة والمحسوبية ممن لا تنطبق عليهم شروط التوظيف واستبعاد آخرين ربما يكونون أفضل ممن تم توظيفهم وذلك في مخالفة واضحة للأنظمة واللوائح. للأسف، حتى الجامعات، وهي جهاتٌ عُرِفَ عنها الانضباط باعتبارها بيئات أكاديمية تتقيد بالأعراف المعمول بها عالمياً، لم تسلم من مرض الواسطة في التعيين. وقد تناقلت، منذ عدة أشهر، مواقع التواصل الاجتماعي أسماء أشخاص يعملون في إحدى الجامعات تم توظيفهم ليس بناءً على الكفاءة وإنما بسبب الواسطة والمحسوبية، وهذا غيضٌ من فيض! وعندما يحدث ويستشري التوظيف القائم على المحسوبية والواسطة في جهاز حكومي فإن الأمر يكون محبطاً للمتميزين المُستبعَدين من التوظيف حين يرون مَنْ هُمْ أقل منهم كفاءة يستولون على الوظائف التي حُرموا منها في جهازٍ تؤول تبعيته وملكيته الحقيقية في النهاية إلى جميع الناس. فالأجهزة الحكومية، بالتحديد، ليست شركات عائلية يتصرف فيها مالكها وفق رغباته الخاصة، وإنما هي ملك الشعب. وعندما يشعر المواطن بالغبن وهو يرى الواسطة تزيحه وتلغيه وتفرض من هو أقل كفاءة منه يُصاب بالإحباط، وقد يفقد الرغبة في بذل الجهد للخروج من دائرة البطالة والبحث عن عمل لأنه يعتقد أن الواسطة سوف تكون له بالمرصاد. وعندما تتكرر هذه المواقف تكون نتائجها كارثية بما تولده من مشاعر عدم الانتماء لدى المواطن. أما الأثر الكارثي الآخر فهو نشوء شرائح من الموظفين داخل الأجهزة الحكومية تفتقر إلى الكفاءة في الأداء مما ينعكس على أداء الجهاز بكامله، فليس هناك ما هو أسوأ من وجود موظفين منخفضي الكفاءة والإنتاجية في بيئة العمل يتمتعون بمزايا الوظيفة تماماً مثل غيرهم من الموظفين الآخرين الأكفاء الذين لا يملكون واسطة تحميهم. فوجود هذه الظاهرة يؤدي إلى تفشي روح الإحباط وفقدان الحماسة بين أوساط الموظفين وهبوط الإنتاجية، وفي النهاية فإن المتعاملين مع الجهاز هم الذين يدفعون ثمن ذلك كله. لو أن هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» تبذل جهوداً أكبر لتعقب هذه الظاهرة فإنها تسدي خدمة كبيرة للوطن والمواطنين وترتقي بأداء الأجهزة الحكومية. الواسطة قاتلة، وهي موجودة في كل زمان ومكان، لكنها تكون أقل تفشياً عندما تتوفر الشفافية والمحاسبة.