فوجئت الأسواق الخليجية، وخصوصاً السوق السعودي، بعد إجازة عيد الأضحى بهبوط حاد وتراجع جماعي، بعد أن سيطرت عمليات المضاربة على معظم التعاملات، وكانت صدمة عام 2006 ماثلة أمام صغار المستثمرين عندما فقدت دول الخليج 442 مليار دولار، فاقت إيراداتها النفطية للعام نفسه. وبشكل خاص فَقَد السوق السعودي في أول يوم تداول بعد الإجازة 706 نقاط، وخسارة 144 مليار ريال في يوم واحد. يردد كثير من المحللين أن سبب تلك الانهيارات هو فقدان السوق قائداً يمكنه أن يعمل على صناعة السوق، وتحقيق التوازن الأمثل. منذ فترة تحاول هيئة السوق المالية الاستعانة بأنظمة ذكية لضبط التلاعب الجماعي في البورصة السعودية، من أجل مواجهة صراع ثقافة المضاربين الأفراد، ولكن لن تتحقق مثل تلك الخطوة إذا لم تتغير خارطة التداول؛ فملكية الأفراد لا تتجاوز 35 في المائة ولكن يسيطر الأفراد على 90 في المائة من التداول اليومي، والتعويل على دخول المستثمرين الأجانب منتصف عام 2015 لن يفيد السوق وهو بهذه الصورة، بل يربك السوق المرتبك أصلاً. أي أن السوق السعودي والخليجي لم ينجح حتى الآن في التحول إلى أسواق مؤسساتية أكثر منها مضاربة للوصول إلى مرحلة النضوج، وصانع السوق يكمن في زيادة نسبة العمل المؤسسي لتخفيض نسبة سيطرة الأفراد على التداول، لكنه ليس كل شيء؛ فهناك عوامل أخرى. تأخرت أسواق الخليج نحو توحيد بورصاتها في بورصة واحدة مع إنشاء بورصة ثانوية للشركات الصغيرة والناشئة، وليس للشركات الخاسرة (سعر تهامة للإعلان في أغسطس 100 ريال كان في 22/ 5/ 2014 ب441 ريالاً، أي أكثر من أربعين ضعف القيمة الاسمية رغم أنها شركة تعاني خسائر بنحو 51.9 مليون ريال). بدلاً من استمرار أسواق المال الخليجية أسواقاً صغيرة ومتعددة يمكن أن تتحول إلى أسواق مؤسساتية، وغياب بورصة موحدة وقف عقبة أمام الوصول إلى السوق المشتركة والمواطنة الخليجية، وهي شرط أساسي لإقامة اتحاد نقدي، بينما وحدت آسيان بورصاتها في بورصة واحدة بعد أزمة 1997، ولكن دول الخليج لم تستفد من أزمة عام 2006 بأن توحد بورصاتها في بورصة واحدة. هناك من ربط هذا التراجع بفعل الأحداث الجيوسياسية بالمنطقة، التي تزامنت مع انخفاض أسعار النفط مع تراجع في العديد من أسواق الأسهم العالمية الآسيوية والأوروبية خلال الأسابيع التي سبقت عيد الأضحى. لكن البعض ينفي مثل هذا الربط، ويدعي أن الأسواق الخليجية، وخصوصاً السوق السعودي، ما زالت أسواقاً مغلقة؛ ما يجعلها أقل تأثيراً. لكن في الحقيقية لا يمكن أن نغفل ونلغي حدة التوترات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض أسواق الأسهم، وانخفاض أسعار النفط.. فمثلاً، ارتفعت السوق السعودي في شهر أغسطس بنحو 8 في المائة (41.4 مليار دولار)، بينما الأسواق العالمية انخفضت في أكبر سوق (بورصة نيويورك) خلال شهر واحد من 19.18 تريليون دولار إلى 18.5 تريليون دولار. لكن الارتفاع السريع التي تقوده المضاربات يعقبه انهيار سريع، فإذا كان السوق السعودي حقق في شهر أغسطس فقط 41.4 مليار دولار، فقد حقق في سنة كاملة في عام 2013 نحو 94 مليار دولار نمواً، بنسبة 25 في المائة. سوق الأسهم مستودع استثمارات ومستودع لمدخرات المواطنين، وتَرْك السوق دون قيادة مالية وفنية يؤدي إلى إفقار صغار المستثمرين مقابل زيادة أرصدة كبار المستثمرين المضاربين.