بقلوب مفعمة بالحزن والأسى.. فقدنا رجلاً صالحاً, وقدوة إنسانية وتربوية وأخلاقية.. إنه العم الشيخ/ «عبدالله بن محمد اليوسف» الذي وفاته المنية بعد معاناته المرضية على إثر إصابته بجلطة دماغية ألزمته سرير المرض ما يقارب الشهرين، فغادر هذه الدنيا بهمومها ومتاعبها عن عمر يناهز (78 عاماً), تغمده الله بواسع رحمته. والفقيد كان رجلاً تقياً.. صاحب قيم فضيلة وشيم أخلاقية.. قضى حياته في الدعوة إلى الله، وتكريس الأعمال الصالحة.. فبعد وفاة والده الشيخ/ (محمد بن يوسف) قبل نصف قرن من الزمن، وكان رجلاً صاحب أعمال حرة ومعروف في مدينة الرياض بتجارته.. يسافر إلى الكويت وترك بعد وفاته أملاك وتجارة.. لم تكن بوصلة اهتمامه تتجه إلى المال والانغماس بحب الدنيا وزخارفها, بل كان رجلاً تقياً انصرفت حياته الإيمانية إلى محطات الزهد والعبادة والورع, والتقوى, وعندما تأسس الحرس الوطني في أوائل الثمانينيات الهجرية انتقل من مالية الرياض إلى هذا القطاع العملاق، وكان من المؤسسين لإدارة الشئون الدينية بعد أن عايش مرحلة البناء الوظيفي في الحرس الوطني وأمضى أربعة عقود في خدمة هذا الجهاز الحكومي, وتحديداً في الشئون الدينية قبل أن يتقاعد عام 1416ه, وبعد تقاعده من العمل الحكومي لم يتوقف نشاطه في المجالات الخيرية والأعمال الإنسانية وحرصه على التزود بالعبادة والطاعة, فقد كان -يرحمه الله- ملازماً لمجالس كبار العلماء ومنهم سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز وسماحة الشيخ محمد بن عثيمين والشيخ عبدالله بن قعود -رحمهم الله جميعاً- وغيرهم من العلماء؛ ويحظى بتقديرهم ومحبتهم.. ولا غرو من ذلك فقد كان الفقيد صاحب قلب نقي وتقي يتسع للجميع حباً ومودة.. قلب لا يعرف الكراهية والضغينة والأحقاد والحسد، بل كان صاحب قلب سليم منصرفاً للخير والعمل الصالح يقول تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. ومن حبه للصدقة والتصدق، وكما قال عليه الصلاة والسلام «الصدقة برهان».. أي دليل صدق إيمان العبد. كان -رحمه الله- ينفق نصف راتبه على الصدقة ويساعد المحتاجين والفقراء ويتفقد أحوال المعسرين من الأقارب وغيرهم.. لما وهبه الله من قيم الإحسان وسلامة الصدر ومشاعره الإنسانية النبيلة.. منصرفاً لأعمال الخير والبذل والإنفاق والعطاء في سبيل الله، عرف عن الراحل عفة اللسان وحسن الصمت.. والصمت نصف الحكمة.. حتى في المجالس كان يكره الغيبة والنميمة والخوض في أعراض عباد الله.. وعندما تذكر عنده الغيبة كان يقول لصاحبها (اذكر الله واترك خلق الله),! وكما يقول أحد السلف الصالح لو كانت للغيبة رائحة لما جلس أحدهم في مجلس تذكر فيه الغيبة..!! هكذا كانت تنشئته التربوية والأخلاقية والاجتماعية في سياقها الديني.. تنشئة شكلشخصية تنفرد بعدة خصائص وسمات.. في التواضع والابتسامة والكرم واحترام الصغير قبل الكبير والصمت والإيثار وإنزال الناس منازلهم وحسن الخلق وصفاء السريرة ونقاوة القلب, ومراقبة الله في السر والعلانية. وهنا يحضرني هذا الموقف النبيل الذي يكشف عمق إيمان -فقيدنا الغالي- وحسن أخلاقه، فقد ذكر لي ابنه الشيخ عبدالعزيز اليوسف إن جماعة المسجد في الحي قرروا الرفع لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف يطلبون فيه إعفاء إمام المسجد لكثرة تأخره وغيابه عن صلاة الفجر وحين علم -يرحمه الله- بذلك طلب من جماعة المسجد إعطاءه فرصة أخيرة، ووافقوا بشرط أن يلتزم بالحضور، وبعد أن شفع لإمام المسجد تحدث معه بأسلوب أبوي ينم عن وعي وحكمة واتزان، وصار يتصل عليه عند أذان الفجر عدة أيام ويوقظه من النوم إلى إن شعر الإمام بخجل وحياء من الشيخ الراحل.. وصار أكثر انضباطاً والتزاماً بالصلاة بجماعة الحي في وقتها.. ما أروعها من قيم فضيلة, وشيم نبيلة التي كانت متأصلة ومفّصله في شخصية فقيدنا الغالي وشكلت مدرسة تربوية في كثير من الخصال الحميدة والأعمال الصالحة.. فرحم الله العم الشيخ (عبدالله بن يوسف) وأسكنه فسيح جناته, وجعله في الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. والله المستعان.