اللغة أبرز مظهر في سلوك الأمة يدل على أصالتها، ومسؤولية الحفاظ عليها مسؤولية عامة في لغة القرآن ولسان الإسلام اختارها الله ليختم بها الوحي الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي وعاء العلوم الإسلامية وحامية تراث عظيم وتاريخ مزدهر امتد فيه نطاق هذه اللغة إلى آفاق واسعة بحيث أصبحت لغة العلم والثقافة والحضارة لأكثر من ستة قرون، وهي أكثر لغات الأرض مفردات وتراكيب. ولعل مما يؤسف له أن نرى حصاراً شديداً وحرباً على العربية، حيث تتعرض في هذا العصر إلى الكثير من الخصوم الذين ينازعونها سيادتها ويعملون على إزاحتها من الساحة العلمية والثقافية في الإعلام والتعليم وسائر المخاطبات والمكاتبات وغير ذلك من المجالات. إن الحرص على سلامة اللغة العربية لا يعني أننا نمنع الناس من تعلم اللغات الأجنبية، إنما ندعو إلى أن يكون التعليم باللغة الأم أسوة بكثير من دول العالم التي تحافظ على شخصيتها وذاتها، حيث تحرص على استعمال لغتها في التعليم بجميع مراحله، ولعل مما يؤسف له أن نقرأ لخصوم اللغة العربية من يظنون عجز العربية عن أن تكون لغة علم، وأن تستوعب الحضارة الحديثة بعلومها المتجددة ومصطلحاتها المتنوعة، ومهاراتها اللغوية. إن العجز ليس في اللغة العربية، لكن في أهلها الذين لا يعطونها الفرصة للنمو الذي هو من أهم خصائصها والدلائل على قدرتها واضحة في ذلك، وحينما نلقي نظرة على ازدهار العلوم في العصر العباسي، حيث قامت حركة الترجمة في ذلك العصر بترجمة علوم وتراث فارس والهند واليونان والرومان وغيرهم من الأمم. وكانت العلوم التي ترجمت في الهندسة والطب والرياضيات والفلك وغيرها، فلم تكن اللغة العربية عاجزة عن ذلك حيث رأينا المعاجم والموسوعات والمؤلفات الزاخرة بالعلوم والمعارف والآداب، كل هذا يدل على اتساع وخصوبة اللغة العربية واستيعابها للمعارف والعلوم، ولله در حافظ حين نظم أبياتاً خالدة بلسان اللغة العربية: وسعت كتاب الله لفظاً وغاية وما ضقت عن آي به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة وكم عز أقوام بعز لغات ورحم الله شيخ الإسلام القائل: (إن اللسان العربي هو شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي يتميزون بها)، فلنحافظ على سلامة الغة العربية وتحقيق الازدهار لها.