حقا وصدقا إنهم رواد بكل ما تحمله هذه الكلمة الطيبة من معنى، والرائد لا يكذب أهله، كما يقول المثل العربي الشهير يا غائبا في الثرى تبلى محاسنه الله يوليك غفرانا وإحسانا في صباح يوم الاثنين الموافق 23-5-1435ه وصلت إليّ رسالة مفادها نبأ وفاة صديق عزيز وخلٌ وفيٌ كريمٌ تربوي مميز وعالم جليل وأديب لبيب أريب هو فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الشريدة، رحمه الله وأسكنه منازل الأبرار والأخيار ونحن أمام هذا الحدث الجلل نردد مع شاعرنا القدير قوله: إلى الله أشكو أن كل قبيلة من الناس قد أفنى الحِمام خيارها كما نردد مع من قال وأجاد: حبيب من الأحباب شطت به النوى وأي حبيب ما أتى دونه البعد في مساء يوم الاثنين السالف الذكر ودعت مدينة البكيرية تلك المدينة العريقة بلد العلم والعلماء والرجال النابهين ودعت أحد علمائها الربانين وأحد تربوييها المقتدرين وأعيانها البارزين وهو علم من أعلام المعرفة والأدب الجم تطفح على محياه البشاشة والبشر والخلق الكريم. وكان لهذا النبأ أعني وفاته دوي قوي من الحزن في أعماق قلبي وأعماق كل من عرفه وعاشره خاصة رجال التربية والتعليم لما له من مكانة عالية وعلاقة حب وقرب يفرح دوما بزواره وقاصديه وضيوفه في بيته، ومكان عمله ومكتبته الكبيرة الرائدة، وقد أصاب فيه قول الشاعر: حبيب إلى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو أديب ولقد كان هو وزميله الرائد التربوي الفذ الأستاذ ناصر الخزيم ؛ رحمهما الله تعالى، محط رحال التربويين والعلماء وأهل الفضل والنبل ممن يفدون إلى المنطقة عامة والبكيرية بوجه خاص، وكل من عاشر الشيخ أو جالسه يحس بالعمق المعرفي والتربوي ففيه سمت العلماء وخفة وظرافة الأدباء يحفظ كثيرا من عيون الشعر والأخبار والأمثلة السائرة وهو بحق من عمار المجالس وهذه الكوكبة من الرواد التربويين هم بحق الصفوة المختارة بعمق ودقة لوضع اللبنات الأولى لهذا الصرح التربوي الكبير الذي نعيشه بحمد الله بهذه البلاد المباركة الطيبة، وهم بحق رجال في الدين والصلاح والشهامة والمروءة رجال في الخلق رجال في العمل رجال في الإنتاج والمتتبع لسير هؤلاء الرجال يجد أنهم بحق رجال أكفاء أسسوا لدولة العلم والإيمان فهم رجال في وقت كان الحصول على الكفاءات من أصعب الأمور وحيث أن سياسة التعليم في كل أمة تأخذ أُسها وجذرها وعمقها المكين من فلسفة الأمة وتوجهها الصحيح وهمة أصحابها التربويين وبهذه المناسبة أقول: إن سياسة التعليم في عهد هؤلاء الرجال اتسمت بالعمق والبعد وقوة المخرجات كما اتسمت بالاستقرار في خياراتها التربوية، ولم تعصف بها الرياح فهي مستقرة في عطاءاتها واتجاهاتها وهذا عامل مهم وكبير افتقده البعض في أعقاب الزمن (فهل إلى مرد من سبيل ) واتسمت عصورهم بالعمق وعدم الارتجال والانفعال ولا الانبهار أو التناقض والتربية والتعليم ألد أعدائها ما ذُكر قل أو كثر.. وهؤلاء الرواد كانت إجراءاتهم ووسائلهم في أعمالهم سهلة ومنسقة ومتسقة، هذا وقد تناقص عدد هؤلاء التربويين الرواد إما بالنقل أو الوفاة واحداً بعد الآخر، ولله في خلقه شؤون.. ورجل التربية والتعليم إن تقاعد أو توفي أو ترك مكانه لأي سبب من الأسباب فهو صاحب ارث تربوي عميق وأصل أصيل وجذر ثابت نبيل ونبع صاف رائق سلسبيل لقد غرس غرسا طيبا مباركا طابت ثماره وتعالت أشجاره وتفتحت أزهاره ولقد أجاد من قال: كأنك من كل النفوس مركب فأنت إلى كل الأنام حبيب وليعلم الجيل الحاضر أن هذه المكاسب التربوية والعلمية كانت بجهود رجال وحصاد ليال وأيام وأوقات وظروف صعبة جدا مر بها هؤلاء الرواد المؤسسون، وقد عالجوا كل ما مر بهم بأسلوب تربوي منهجي مميز ورصين رزين جمعوا بين الأصالة والمعرفة وحسن التدبير والتقدير وصدقت بهم القاعدة التربوية المميزة القائلة (التربية بضاعة وطنية لا تستورد ولا تصدر) وكان هؤلاء الرجال أصاحب مدرسة تربوية تنويرية تجديدية مشت في ثقة واطمئنان بلا صلف ولا جلف وبلا جعجعة مشت بحق وصدق مع مدرجة الزمن إن جهدهم كبير وعطاءهم عظيم، فهل يا تُرى يفي اللاحق بالسابق وهل تقدر أفعالهم وجهودهم وظروفهم وإمكاناتهم، هل نفي لهم أحياءً وأمواتاً هل نهتم بإرثهم التربوي والمعرفي أم ننساهم ونتجاهل إرثهم التليد. في الختام، أقدم تعازي لأهله وذويه وبنيه الكرام ورجال التربية والتعليم، وعزاؤنا بقول الشاعر: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح..