تخالف الناس إلا في مودته كأنما بينهم في وده رحم ما أجمل لين الجانب حلة لعالي المقام، فهي حلة جميلة يمنحها المولى لمن يشاء من عباده المخلصين، فلا تبلى حتى تغيب في باطن الأرض مع مرتديها، فكل إنسان يتصف بالحلم والأناة، وطيب المعشر، ونفع الغير بل وبالإخلاص في أعماله كلها، فإنه يعيش سيدا يستعذب الناس ذكره، ويحيا حياة سعيدة هانئة ملؤها البشر والمسرات...، فحسن الخلق والابتسامة وإشراقة المحيا من مفاتيح القلوب وتآلفها، وقد تمتص سورة الغضب بين المتخاصمين، أو من يقع بينهم خلاف عابر..، فرسول الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يقول (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم طلاقة الوجه وحسن الخلق) حديث حسن، فالشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ معروف بحسن الخلق ولين العريكة، وعلى جانب كبير من الصفات الحميدة التي يرفل فيها ويقل أن تتجلى في مثله - تغمده المولى بواسع رحمته- ولقد عاش محمود السجايا مع أسرته ومحبيه، ومع من كان معه في العمل وتحت إشرافه، وفي سائر أحواله مع من يعرف ومن لا يعرفه، فالله سبحانه قد منحه رحابة صدر وسماحة خلق، ولقد ولد بالمدينةالمنورة في أيام الصيف حينما كان والده رئيس قضاة المنطقة الغربية، ويقضي فترة الصيف في ربوع المدينة وكانت ولادته بها عام 1352ه، ونشأ في مكةالمكرمة في بيت والده رئيس قضاء الحجاز الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ - رحمه الله- المطل على المسجد الحرام من الناحية الغربية، فهو مدرسة لطلاب العلم في (دار الداودية) فصار يعيش في ذاك الجو العلمي ويرى ويسمع الدروس على والده وهو في صباه، فختم القرآن الكريم عليه، عدة مرات وقد أنهى تعليمه الابتدائي في المدرسة الرحمانية بمكةالمكرمة، أما تعليمه المتوسط والثانوي ففي المعهد العلمي السعودي، ثم أكمل دراسته الجامعية في كلية الشريعة واللغة العربية بمكةالمكرمة عام 1374ه إضافة إلى تتلمذه على يد والده العالم الجليل - رحمهم الله- وقد وصفه زميله الخاص معالي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام في ترجمته المسطرة في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون) الذي أبحرت فيه لالتقاط بعض العبارات والنصوص إذْ قال عنه: نعم الزميل في خلقه وأدبه الجم مع أساتذته، ومع زملائه، وكان كثير القراءة يحسن اختيار الكتاب الذي يقرأه، فما إن تخرج من التعليم الجامعي إلا وإذا به من العلماء المدركين، ومن الكتّاب الكبار الذين تحرص على كتابتهم المجلات والصحف، ويقول الشيخ عبدالله لما تخرجنا من اللية عام 1374ه تعين برئاسة القضاء، ثم صار نائبا للرئيس في المنطقة الغربية، وأنا تعينت قاضيا بمكةالمكرمة، فكان لنا نعم الرئيس الذي عرف قدر الزمالة وحافظ عليها وأعطاها حقها، وكان نعم الإداري الفاهم المحنك، بعد ذلك عين وزيرا للمعارف مدة طويلة فأخذ يُسير العمل بها بحنكة، وبأسهل الطرق والمرونة في إطار الأنظمة المالية والإدارية مراعيا الوقت في انجاز الأعمال بصفة عامة ولظروف المراجعين القادمين من خارج مدينة الرياض من مديري تعليم المناطق القريبة والبعيدة بصفة خاصة، فيحرص كل الحرص على إنجاز أعمالهم كل الحرص، حاثا لهم على التوسع في افتتاح العديد من المدارس في المدن وفي الأرياف والهجر مع اختيار المكان المتوسط للمدارس الصغيرة بين الهجر والقرى - مثلا-، كما أوصى بنشر المدارس الليلية بتعليم الكبار وتنويرهم بالعلوم النافعة، ولأجل ترغيبهم في إلحاق أبنائهم بالمدارس النهارية النظامية في بادئ الأمر لأهمية تعليمهم، كما أن باب مكتبه يظل مفتوحاً لمن يؤمه -إلا ما ندر-: إذا جئته لم تلق من دون بابه حجابا ولم تدخل عليه بشافع وذلك لسعة علمه بالأنظمة ومرونته وحرصه على عدم تراكم الأوراق فهو قدوة حسنة، كما جرى فترة عمله وزيرا للتعليم العالي توسعا وانتشارا ملحوظا في كثافة الكليات والجامعات باختلاف مراحلها ومستوياتها مع التوسع للابتعاث الخارجي إلى بعض الدول المختارة لأجل استمرار دفع عجلة التقدم لمواكبة ركب الحضارة، فهي نواة مباركة لما وصلت إليه بلادنا من تطور وتوسع هائل في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وعضديه الأمير سلمان والأمير مقرن بل وجميع المخلصين: فعلم ما استطعت لعل جيلا يجيء فيعمل العمل العجابا وكان كثير الشفاعة لمن يطلب منه، فكم تحقق على يديه الشيء الكثير من قضاء حوائج الناس بكل أريحية ونفس سامحة، وكأن لسان حاله يخاطب نفسه لترويضها، وتحبيب إسداء الجميل دوماً لمن يقصده بترديد هذا البيت: واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت إليك لا لك عند الناس حاجات أو كقول الآخر: لا تلحقنك ضجرة من سائل فدوام حظك أن ترى مسؤلا فهو بحمد الله قد فطر على فعل الخير والإحسان إلى ذوي الحاجات..، وقد اطلعت على نماذج خطية من رسائله التي كان يوجهها إلى بعض المسؤولين ملتمساً منهم تحقيق حاجات من طلب الشفاعة منه على اختلاف طبقاتهم وتنوع مطالبهم ومقاصدهم..، كما أنستُ بالكم الهائل من درر المعاني شعراً ونثراً في التأبين والثناء العاطر عليه من كبار العلماء والأدباء والأديبات..، وذلك أثناء تسريح نظري في كتاب الصديق الأديب الأستاذ / حمد بن عبدالله القاضي المعنون ب:( الشيخ حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل ) الذي اشتمل على إيراد بعض كلماته النيرة المُودَعة في بطون مؤلفاته...، مع ذكر بعض كلمات التأبين...، كما ألمحَ الأستاذ الأديب عبدالله بن سالم الحميد في كتابه عن جانب مشرق من جوانب حياة الشيخ حسن وعن سيرته التي تندى عطراً فواحاً يعبق أريجها وعطاء مستمر غير محدود في مساعدة الغير، وقد طوق أعناق الكثير من ذوي الحاجات بأفعاله المشرفة، وكان آخر شفاعة قدمها لمعالي الشيخ محمد بن عودة الرئيس العام لتعليم البنات قُبيل رحيله بتاريخ 16-5- 1407ه - أي قبل وفاته بيوم واحد - لأجل نقل معلمه لمدرسة قرب منزل والديها، ومما أثار شجوني آخر كلمة سطرها وتركها على طاولة مجلس الوزراء: دعاء واستغفار بخط جميل يؤنس البصر، وقد ذُكِرَتْ في كتاب القاضي: دعاء يشبه الوصية مُختتماً لها بهذه العبارة (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك اللهم وأتوب إليك) - تغمده المولى بواسع رحمته - وهذا يذكرنا برثاء الشاعر الأبيوردي نفسه قبل مماته حينما انتهى من خط ديوانه ذا الجزأين حيث يقول: تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث وخطها في كتاب يؤنس البصرا كم من كتاب كريم كان كاتبه قد ألبس الترب والآجر والحجرا يا من إذا نظرت عيناه كِتبتنا كن بالدعاء لنا والخير مُدكِرا ولي مع معالي الشيخ حسن - أبو هشام - بعض الذكريات أثناء مراجعتنا إليه بوزارة المعارف لأجل تحقيق بعض المطالب التي تتعلق بعملنا في إدارة المتوسطة والثانوية بحريملاء، فأجد منه كل تسهيل ومرونة - رحمه الله -. كما لا ننسى حضوره وتشريفه مقر دورة مديري المدارس المتوسطة والثانوية ومعاهد المعلمين الابتدائية بمدينة الطائف صيف عام 1386ه فهو المشرف العام عليها، ومديرها الأستاذ الراحل عبدالرحمن التونسي - رحمهما الله جميعا -، التي دامت 45 يوماً وقد ضمت جميع مديري المرحلتين المتوسطة والثانوية من أنحاء هذا الوطن. فألقى معاليه - يرحمه الله - كلمة ضافية وافيه رحب فيها بالحضور، حاثاً على الإخلاص في أداء أعمالهم والتركيز على الأساليب التربوية، وتوجيه الطلاب التوجيه السليم، فهم عدة الوطن ورجال المستقبل فكله نشاط وحيوية لم تشغله تلك المناصب عن إمتاع ناظريه في بطون الكتب، والكتابة عبر الصحف والمجلات، بل وتأليف الكتب الدسمة المفيدة إذْ صدر له ستة كتب قيمة سهلة الأسلوب لا يمل القارئ تكرار قراءتها، أذكر أني قرأت كتابه: (خواطر جريئة) أكثر من مرة لتعدد مواضعه الشيقة التي تميل إلى الإيجاز، وتدفع السآمة عن القارئ، فهو بحق أسلوب رائع ومركز، ولا غرو فإنه قد عاش في بيئة علم وأدب منذ فجر حياته مُخْلِصاً العبادة لله وفي أداء أعماله محباً للضعفة والمساكين، ولقد أجاد شاعر النيل حافظ ابراهيم، وكأنه يعنيه بهذا البيت: قضيت حياة ملؤها البر والتقى فأنت بأجر المتقين جدير كما لا ننسى زيارتنا لوالده فضيلة الشيخ/ عبدالله بن حسن بمنزلة في مكةالمكرمة الملاصق للمسجد الحرام في الناحية الغربية الشمالية أنا وزميلي الفاضل الراحل الشيخ عبدالله بن الشيخ ابراهيم بن سليمان الراشد منذ عقود من الزمن... وحينما علم أننا من تلاميذ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية وأخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف، أهدانا من كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحم الله الجميع رحمة واسعة - وذلك قبل دراستنا النظامية، ولئن توارى شخص (أبو هشام) عن نواظر محبيه وبات تحت طيات الثرى مساء يوم السبت 17-5-1407ه اثر نوبة قلبية، فإن ذكره الجميل خالد في قلوبهم مدى الأيام. -تغمده المولى بواسع مغفرته ورحمته-.