مشروع وفاء وبلاغ « السلام عليك أيها النبي» صلى الله عليه وسلم اسم أقتبسه من ألفاظ التشهد في الصلاة، لمشروع يعرّف بنبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث الصحيحة إحصاءً وجمعاً وشرحاً. رغبت أن أقف على المعرض بنفسي فاتصلت بالشيخ د. ناصر الزهراني (مؤسس المشروع والمشرف عليه وإمام مسجد الشيخ بن باز في مكة سابقاً وأحد طلابه والمشرف على مكتبة سماحته - رحمه الله - فرحب واستقبلني ببشر مشكوراً. بدايته جمع وإحصاء موسوعة في السيرة النبوية في مجلدات ضخمة لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها، وأراد أن يوصلها للمسلمين بأسلوب عصري حديث ومن هنا بدأت فكرته. تجوّلت في المعرض - ولما يفتح رسمياً بعد - فألفيته عملا مبنيا على أسس وثوابت راسخة صحيحة، له رسالة ورؤية بعيدة، وفرق عمل مؤسسة ومتمكنة علمياً وعملياً، بتمويل أوقاف ضخم مستمر، وخطة استراتيجية، تستشرف مستقبل الدعوة إلى الله، وتحمل همّ (بلغو عني ولو آية) تتفهم روح العصر، تملك الوسيلة التي تصل لعقول البشر بسهولة ويسر، بوسائل جاذبة مبتكرة مشوقة، لا يحدها حد جغرافي ضيق، بل وصولاً لعالم أرحب بلغاته الأشهر وبقناة فضائية وجامعة علمية. مشروع وفاء وبلاغ، وتوثيق شامل لعصر النبوة، الذي عاش فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم، بكل ما في هذا العصر من مظاهر حياة، وما كان يستخدم به من أدوات ومقتينات وأوان وملابس وغيرها ومحاولة صنع مثل هذه الأشياء لتقريب الصورة ليفهم الناشئة العصر النبوي. وجدت معرضاً علمياً، قائم بجهد جبار، صنعته أيد محبة لنبيها وفرق عمل، بإدارة حديثة مميزة. معرض لم ينبثق من رد فعل، بل صنع الفعل الصحيح، بتأسيس رصين، لنشر سيرة أفضل البشر، وخاتم الأنبياء بأحدث وسائل التعليم الحديثة، التي تتكلم بلغة التقنية، ومفاهيم العصر، لتقريب الفهم والإيضاح كالسبورة الذكية الفريدة للمعلومات العلمية، وتطبيق آيباد مميز للمجسمات كالمدن والبيوتات والجبال، وخرائط مفاهيم بمحاكاة للواقع الافتراضي، ولوحات ومقتنيات محسوسة ملموسة وغيرها. مثلاً: أن ترى مجسما للحرم المدني وقت النبوة وحوله حجرات النبي وبيوتات الصحابة، فالصورة غابت اليوم واندرست على الواقع بسبب توسعته فلا يتصور من يقرأ السيرة كيف كانت المدينة إلا بصورة تقريبية محسوسة. ومثال آخر: الأدوات التي استخدمت في عصر النبوة صنعت بشكل تقريبي ليعرفها ناشئة المسلمين، الذين لم يدركوا زمن الصاع والمد، والدرع والترس، والمغفر والعنزة، والمدرى والقربة، والرمح والسهم، والكنانة والإثمد ونحوها، وتصنيع للأدوات المستخدمة عصر النبوة فمثلاً: لو سألت مسلماً عن معنى (المدرى)؟ الوارد في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن رجلاً اطلع من جحر في دار النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يحك رأسه بالمدرى). ما المدرى؟ ستجد قطعة مصنوعة مقاربة له، ولمثل هذا أصل، فابن حجر في فتح الباري رسم صورة المدرى، تقريباً للفهم. وأن ترى خارطة مكةالمكرمة وترى الكعبة وما حولها من الجبال والأودية والبيوتات الواردة في الأحاديث. بل المعرض إجابة ورد لمن نادى أن تحذف مسائل فقهية وألفاظ حديثية في مناهج التربية الإسلامية في مدارسنا لأنها تتكلم بمصطلحات عصر النبوة التي لا يفهمها طلاب اليوم وهنا يكمن أهمية التعريف بها وتقريب صورتها وإظهارها. وهكذا مشاريع الجدة والابتكار واستخدام التقنية الذي لا يستسيغه من لم يمارسه ويتعلم منه فإنه سيتوقف أمامه، وقد يحذر منه ليبقى على ما ألفه واعتاده. ومما يحسن ذكره أن الموسوعة الورقية المكتوبة في مجلدات والمعرض الفني، أشرف ويشرف عليه علمياً من بداياته ثلاثة من المشايخ الأجلاء: (الشيخ صالح بن حصين - رحمه الله - والشيخ صالح بن حميد والشيخ صالح آل الشيخ وفقهما الله) كما يشارك الإشراف عليه تسعة من الأكاديميين المتخصصين في العقيدة الإسلامية، اثنان منهم دراستهما المتخصصة في الدعوة الإصلاحية للشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله - وشاد به مجموعة من هيئة كبار العلماء وعلماء آخرون ممن قاموا بزيارته والوقوف عليه. فلا آثار موجودة رأيت، ولا المزعومة التي سمعت! وليس من رأى كمن سمع). كم أتمنى أن تكون مشاريع المسلمين في الدعوة إلى الله والتعريف بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كهذا، وأن تحذو وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي في مدارس وجامعات العالم الإسلامي ومكاتب الدعوة في الداخل والخارج مثله. أما اللغط الحاصل حول الحكم الشرعي فيه والذي وصل لإصدار فتاوى من علماء كبار بالتحذير منه وبدعيته وأنه باب للشرك ومدعاة للتبرك وصرف المسلمين إليه! فهي غير صحيحة، حيث بنيت تلك الفتاوى على تصور معتم أو مزور غير مطابق للواقع! أما القلق من اسم (مدينة السلام عليك أيها النبي) أنها ستصرف زوار البيت الحرام إليها! وسيكون داخلها شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم للتبرك والتعلق بها! فالأمر ليس كذلك حيث إن المدينة تعني في اصطلاح المشاريع العامة والاستثمار والتسجيل الرسمي (الأرض التي يقام عليها مشروع) كالمدن الترفيهية والمدن الصناعية والمدن الرياضية ونحو ذلك، والمعرض حصل على أرض استثمارية من الدولة لإقامة معرض التعريف بالنبي عليه الصلاة والسلام ووسائل متعددة لذلك تنتهي بإنشاء جامعة (السلام عليك أيها النبي) والواجب على من تكلم أو أفتى ألا يحكم على شيء إلا بتصور صحيح. وليت من تكلم بلا علم ناقلاً للعلماء الخطأ أن يمد خطواته قليلاً من المعرض ليصعد جبل ما يسمونه (الرحمة) في عرفات، ويرى تبرك الناس بشاخصه! وكيف يتمسحون به ويقصدونه!! ويلتفت هناك ليصعد جبل النور، وكيف اتخذ الجهال غار حراء مزاراً ووكراً لتصيد السذج! ببيع الأدعية البدعية! والتصوير داخله بأغلى الأثمان، والكتابات على جهاته! بأن يجتهدوا في توعيتهم وتعليمهم بل البلاغ عنهم وإيقافهم. {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} (81) سورة يوسف.