يُحبذ البعض، أن أقصر كتاباتي على لون واحد، وأحاول جاهداً أن أوضح وجهة نظري حول هذه الملحوظة، ذلك أن تنوع كتابات الكاتب، لا يعد عيباً في حد ذاته، بل قد يكون، إثراءً، محفزاً، لمتابعة الكاتب، عندما، يرى في قرارة نفسه أنه يساهم، ولو بشيء يسير، تجاه خدمة وطنه ومجتمعه من زوايا مختلفة، يتناول من خلالها، قضايا شتى، فبدلاً أن يتابعك واحد، مهتم في شأن واحد، يتابعك أشخاص متنوعون فكرياً وثقافياً، مهتمون في قضايا مختلفة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتناول كاتب (ما) هكذا أتصور - قضايا متنوعة، وهو لا يملك رصيداً معلوماتياً وافياً، يبني عليه مادة موضوعه، وإلا تعثر من أول خطوة يبدؤها، هذه مقدمة ليس لها علاقة في موضوع هذا المقال، جاءت عرضاً، كي أهوّن بها على نفسي، جرّاء رؤية هذا البعض، ولا أدعي الإصابة في ذلك، لكني هكذا أظن، وبعض الظن ليس إثما (ما علينا) السابر لأغوار البيئة الوظيفية في أغلب الدوائر الحكومية، لا بد له أن يضع يده على خلل وأي خلل يا ترى؟! خلل له تبعاته المقلوبة على سير العمل، ومهنيته، هذا الخلل مصدره واحد، لاغير، هو (المحسوبية، وما أدراك ما لمحسوبية) آفة الوظيفة، القاتلة، اللاعبة كالمحور، تصنّف العاملين حسب الهوى، ليس للمؤهل، ولا سنوات الخدمة، ولا الخبرة، ولا حتى الإنتاجية، ولا الحضور اللافت، أي مكان في أجندة بعض المسئولين، ممن يغذي جانب هذه الآفة - المحسوبية - دون خجل، هذا الصاحب اللاعب (المسئول) عندما يطلب منه أحد موظفيه، ممن هم تحت رعيته، طلباً له علاقه بمستقبله الوظيفي كترقية، وخلافه، يمطر عليه وابلا من الأعذار، المنتهية، بألوان الاحتقار، يتضايق أشدّ الضيق، جرّاء تكرار مطالبة هذا الموظف بأدنى حقوقه الوظيفية، من المزايا والترقيات، المحصورة (لصاحب الزمان)، الذي لم أستوعبه تماماً، عندما يتم تجاهل المخلصين، الجادّين، المؤهلين، المنتجين، الحاضرين، في مشاهد بيئة العمل، ومحاولة اختزال ما يتميز به هؤلاء، من إنتاج، لا يجد له محاكاة عند صاحب الزمان، لكن، وكما قيل (المحبوب براحة) وكما قال الشاعر (وعين الرضا عن كل عيب كليلة........ولكن عين السخط تبدي المساويا) والضربة القاضية التي لا تغتفر لهذا المسئول، الذي لا يرى إلا بعين واحدة عندما يرمي أحدهم بسهم، تجده لا يحسن اختيار ألفاظه، تراه يرشق (صاحب الحاجة، ومكررالطلب) بكلمة لا يحسن عواقبها، يعيّره (باللحوح) جرّاء كثرة مطلبته بحقوقه التي يستحقها بجدارة وبقوة النظام، وهو يراها، تسلب منه عنوة، المشكلة التي يستغلها أمثال هذا المسئول، هي (الثقة الفضفاضة) التي نالها من رأس هرم الجهاز، دون خوف من الله أو من مساءلة قانونية، تتم خطوات هذا المسئول، المحصورة والممقوتة، في ظل أنظمة إدارية مهترئة، أكل الزمان عليها وشرب، تجدها معشعشة، منذ قرون، في أروقة وزارة الخدمة المدنية، التي قلت عنها في مقال سابق في هذه الجريدة بعنوان (التجميد الوظيفي) بأنها باتت قولاً واحداً (كالأرشيف) ليس بمقدورها، التحديث والتجديد، ولا حتى التدخل، لإيقاف هذه الفوضى العارمة، في أغلب الوزارات الحكومية، التي تجيد طبخ الطبخات الفاسدة، يذهب ضحيتها الكثير من الموظفين الأكفاء، بمباركة وزارة الخدمة المدنية (صاحبة البصمة، والصمت العريض) وهي التي بحوزتها أسماء موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، وتواريخ التحاقهم بالسلك الوظيفي، أنظمة بالية، لا تخدم أصحاب المؤهلات العالية، بقدر ما تخدم ما دونهم، ممن يحظون (بدفع رباعي) والشواهد حيّة، وإن شئت، فقل (عقرب) كونها لادغة وسامة، كم كنت متمنياً في مقالات كثيرة، كتبتها في هذه الجريدة، السيارة، المؤثرة، المقروءة، أن يعاد النظر في آلية الإجراءات المتعلقة بموظفي الدولة، وخاصة الترقيات العليا والمزايا الأخرى، وعدم حصرها في أشخاص لا يرعون الأمانة حق رعايتها، يقدمون مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة العمل، يغذون من يخدمهم، ويعلون من شأنهم، على حساب من هو أكفأ منهم، وهم أشبه بالكراتين الفارغة، لا تكاد تطرق باب هذا الموضوع بالذات، مع أقرانك، إلا وتجد هذا التذمر والصياح حاضراً بقوة، ولعلي من خلال هذه المقالة الخاطفة، أدغدغ مشاعر وزارة الخدمة المدنية بالتي واللتية، لعلها تراجع نفسها وأنظمتها على جناح السرعة، ليكون لها، كلمة الفصل، في إنصاف العاملين المساكين، الذين يتلقون الضربات الموجعة، الظالمة، من البعض، غير المكترثين بالمسئولية، وجانب الأمانة، وقد جهّزوا (قائمة) بالكلمات غير اللائقة (كاللحوح) و(الغثيث) و(الملقوف) يرشقون بها أصحاب الحقوق والمطالبات، يستخدمونها، كأدوات للتخويف والتطفيش...ودمتم بخير. [email protected]