سأروي لكم حكاية طريفة عن الماء، حدثت لأحد الزملاء من سكان غرب الرياض، وهي الجهة التي تعاني من نقص الماء وانقطاعه، أكثر من غيرها من الأحياء، يقول إنه نضب خزان الماء في بيته، دون أن يصب ماء شركة المياه الوطنية، فخرج يبحث عن «وايت» ماء، وبعد جهد وجد ضالته بمبلغ باهظ، لأن السوق عرض وطلب، المهم أنه أحضر «صيدته الثمينة» إلى البيت، وبعد أن ملأ خزان البيت، تبقى كمية قليلة في «الوايت» أو الأنابيب، فطلب من السائق أن يعبئ له جالونين من الماء، حباً وشغفاً بالماء، وخوفاً من نضوبه، فما كان منه إلا أن سكب أحد الجالونين على عتبة الباب المغبرَّة، كي يغسلها، ولسوء حظه كان مراقب شركة المياه الوطنية يمر بجواره ملتقطاً صورة حيَّة للماء المهدر في الشارع، وخلال دقائق رنت نغمة الرسائل في جواله معلنة عن غرامة 200 ريال عن المخالفة! يقول صاحبنا إنه تحسس جيبه بحثاً عن فاتورة «الوايت» كي يقدّمها كمستند إلى شركة المياه، ليثبت لهم أن الماء المهدر ليس ماء الشركة، بل ماؤه الذي اشتراه بحرِّ ماله، وهو حر في سكبه والعبث به، وقد نجح بذلك المستند في رفع المخالفة المدوَّنة عليه. تذكَّرت هذه الحكاية، وحرص الشركة على ملاحقة قطرة ماء تسرَّبت من هنا أو هناك، كي تعاقب المواطن بمخالفة مالية، دون أن تنجح في ترشيد استهلاك المياه رغم كل حملات التوعية التي تشارك بها الشركة، فما نشره المركز المالي الكويتي عن الاستثمارات المبشِّرة في المملكة لتوفير الماء، يشير إلى أن استهلاك الفرد السعودي من الماء يبلغ 950 متراً مكعباً، وهو معدل مرتفع مقارنة بالمعدل العالمي لاستهلاك الفرد (500 متر مكعب)، حيث يبلغ استهلاك الفرد السعودي ضعف استهلاك الفرد الأمريكي، وهو إهدار مخيف للماء، ليس بالضرورة أن يكون الهدر في غسيل الحوش أو سيارة أو ما شابه، بل إن الدراسات تشير إلى أن الإهدار يكمن في خزان كرسي الحمام، فكيف تستطيع الشركة توعية المواطنين من جهة، وفرض مواصفات صارمة لحجم خزانات الكراسي لدورات المياه، وخصوصاً أننا في بلد صحراوي جاف، فليس معقولاً أن يبلغ الإنفاق الحكومي على المياه خلال العام الجاري 2013 ما يقارب سبعة مليارات دولار، أي أكثر من ستة وعشرين مليار ريال خلال عام واحد فقط، دون أن يصحب ذلك حملات توعية بما فيه الكفاية وفرض شروط ومواصفات على كل الأجهزة والقطع التي ترتبط بخزن المياه واستهلاكها! فمن يعيش معه رجل مسن أو امرأة مسنة، ممن عاصر نشأة هذه البلاد، وبدايات ماء «القلبان»، ويراقب تصرفاته مع الماء، وحرصه عليه كما لو كان يستخدم ذهباً، لأنه عاش شح الماء وزمن العطش، لأدرك أن الماء ليس ثروة وطنية فحسب، بل هو الوطن بذاته، وبدونه لا وطن لنا!