مر المسجد الحرام على مدى العصور بتوسعات عدة من أجل مضاعفة طاقته الاستيعابية للمصلين مع ازدياد أعدادهم، ويبقى صحن المطاف كما هو بطاقته المحدودة للاستيعاب، يحتل المساحة نفسها، ويكتظ عاماً بعد آخر بالطائفين، وتزداد الحاجة لتوسعته. ومن هذا المنطلق جاء مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لرفع الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف؛ ليضاعف من الطاقة الاستيعابية الحالية التي تبلغ 48 ألف طائف في الساعة؛ لتصل إلى 105 آلاف طائف في الساعة، بتصور يعكس التطلعات والنظرة المستقبلية لحكومة خادم الحرمين الشريفين، خدمة للإسلام وللأجيال القادمة من المسلمين. ويقوم المشروع على إعادة ترتيب الحرم القديم والتوسعة السعودية الأولى؛ ليتماشى مع توزيع الأعمدة المقترح لتوسعة المطاف، وذلك بتخفيض عدد أعمدة الدور الأرضي والبدروم بنسبة 30 في المئة، وتخفيض عدد أعمدة الدور الأول بنسبة 75 في المئة؛ ليكون إجمالي تخفيض عدد أعمدة الحرم بنسبة 44 في المئة؛ ما يمنح الطائفين شعوراً واضحاً بالسعة والراحة أثناء تأدية الطواف. ويتضمن المشروع إعادة إنشاء الحرم القديم والتوسعة السعودية الأولى، وتوسعة المنطقة المحاذية للمسعى؛ لتصبح بعرض 50 متراً بدلاً من 20 متراً بدور السطح، وبذلك يتم حل مشكلة الاختناق الذي كان يواجهه الطائفون في تلك المنطقة. كما يتضمن المشروع إعادة تأهيل المنطقة بين الحرم الحالي والتوسعة السعودية الثالثة، مع إنشاء جسور للربط بينهما في مناسيب الدور الأول والسطح. وقد روعي في التصميم الاختلاف الحالي في مناسيب الحرم وصحن المطاف، وذلك بتخفيض منسوب الحرم القديم؛ ليصبح بمنسوب صحن المطاف، وتحقيق الارتباط المباشر لبدروم التوسعة الثانية، وكذلك المسعى؛ ليصبح بكامل عرض المبنى الجديد؛ ما يحقق الارتباط والاتصال البصري بالكعبة المشرفة. وللحفاظ على الإرث التاريخي لعمارة الحرم الشريف بدأت أعمال التوثيق بأشكاله كافة باستخدام أحدث التقنيات لتوثيق أدق التفاصيل تمهيداً لإعادة بناء الأروقة القديمة باستخدام العناصر المعمارية التاريخية نفسها بشكل يتناسب مع التخطيط الجديد. ويتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل خلال ثلاث سنوات، وبدأ العمل في شهر محرم الماضي من هذا العام 1434ه، وتمت إزالة الجزء الأول من المباني خلال الفترة الماضية، وتنفيذ أعمال الإنشاء لهذه المرحلة؛ ما أدى إلى انخفاض ملحوظ بالطاقة الاستيعابية للمطافمن 48 ألفاً إلى 22 ألف طائف في الساعة. وتسير أعمال إنشاء الطواف المؤقت بوتيرة متسارعة من أجل الانتهاء منه بشكل كامل؛ حتى يتسنى للطائفين الاستفادة من هذا المشروع الذي سيرفع الطاقة الاستيعابية لعدد الطائفين في الحرم إلى 35 ألف طائف في الساعة؛ إذ سيكون بعرض 12 متراً. ويتواصل العمل على مدار الأربع والعشرين ساعة من أجل إنجاز هذا المشروع، وتم الانتهاء من أعمال البناء وتركيب الجسور الرابطة الدور الأول للمسجد الحرام بصحن الطواف المعلق المتكون من مدخلين رئيسي وفرعي، إضافة إلى مخرج طوارئ يستخدم عند الحاجة، ويحتوي على مخارج مباشرة إلى البوابات في اتجاه باب الملك عبدالعزيز وباب العمرة، والأخرى تؤدي مباشرة إلى المسعى. وللتقليل من هذه الفجوة في أعداد الطائفين وخدمة لهم وحفاظاً على عدم انقطاع شعيرة الطواف خلال فترة تنفيذ المشروع بدئ العمل على تنفيذ المطاف المؤقت الذي سيرفع الطاقة الاستيعابية لعدد الطائفين في الحرم إلى 35 ألف طائف في الساعة؛ إذ سيكون بعرض 12 متراً، وتم مؤخراً استكمال تركيب الدور العلوي من المطاف المؤقت وربطه بالتوسعة السعودية الأولى عبر الدور الأول، وتجهيزه للاستخدام بأمان للطائفين ولذوي الاحتياجات الخاصة من مستخدمي العربات خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام، كما سيتم استكمال العمل في المرحلة الأولى من المشروع مباشرة بعد شهر رمضان المبارك حتى موسم الحج لهذا العام؛ ليتم إعادة تركيب الأسوار المؤقتة والانتهاء من بناء دور السطح، كما سيتم تركيب الدور السفلي للمطاف المؤقت بعرض 10 أمتار وربطه بالدور الأرضي للحرم. وبعد موسم حج هذا العام 1434ه سيُستأنف العمل بإزالة الجزء الثاني من المباني، وانتقال حركة الطواف إلى الجزء المتاح من الصحن والمطاف المؤقت بدوريه الأول والثاني، وتبدأ عندها أعمال الإنشاء للمرحلة الثانية بعد تركيب الأسوار العازلة لمنطقة العمل، مع الإبقاء على بعض الأسوار الجزئية للمرحلة الأولى لأغراض التشطيب النهائي. وبعد حج عام 1435ه تبدأ أعمال المرحلة الثالثة، وذلك بتركيب أسوار العزل المؤقتة الخاصة بمنطقة العمل للشروع بأعمال الإزالة والإنشاء مع بقاء جزئي لأسوار المرحلتين الثانية والأولى لإنهاء أعمال التشطيب حتى نهاية شهر شعبان من عام 1436ه. ومع نهاية ذلك العام تكون الأسوار المؤقتة كافة قد أزيلت مع المطاف المؤقت؛ إذ تكون أعمال مشروع رفع الطاقة الاستيعابية للمطاف قاكتملت بإذن الله؛ ليصبح عدد الطائفين في المبنى بدون الطواف المؤقت نحو 105 آلاف طائف في الساعة؛ ما يعني مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمطاف. ويأتي مشروع رفع الطاقة الاستيعابية للمطاف ضمن رؤية استراتيجية لتحقيق أهداف بعيدة الأمد في حل مشكلة الاختناق التي يعاني منها الطائفون كل عام في المواسم وأوقات الذروة؛ إذ يوفر المشروع انسيابية تامة في الطواف مع مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمطاف تماشياً مع التوسعات المتتالية للحرم المكي الشريف. ومن أجل تحقيق هذا الهدف تضافرت جهود الأطراف ذات العلاقة كافة، وسخرت كل الإمكانيات والطاقات الفنية والمالية اللازمة، مع تأمين المعدات والاحتياجات خلال الأشهر الماضية منذ بدء المشروع لإنجاز ما يستغرق إنجازه سنوات، وهي ماضية - إن شاء الله - لتحقيق الهدف وتوفير الراحة التامة والطمأنينة للحجاج والمعتمرين وزوار بيت الله الحرام لتأدية شعائرهم في جو من الأمان، تسوده روحانية المكان شديد الخصوصية عزيز المكانة في قلوب المسلمين كلهم في شتى أنحاء العالم.