سؤال يظل ملحاً وقائماً مع نهاية كل عام دراسي، إذ تدفع الكليات والمعاهد بآلاف الخريجين والخريجات، وتغدق علينا المرحلة الثانوية بالعديد من الخريجين الذين لا يجدون فرصة مناسبة تحقق آمالهم في مواصلة الدراسة الجامعية أو الالتحاق بالكليات التي يرغبون فيها. ويزداد التساؤل إلحاحاً عندما تنضم هذه الأعداد الكبيرة كل عام إلى صفوف الباحثين عن العمل والباحثات عن فرص وظيفية، والتي أصبحت أرقامها مخيفة وخطيرة وتتزايد معها حدة المشكلة، وتتعمق خطورتها يوماً بعد يوم، ولنا أن نتصور حجمها وخطورتها إذا ما رجعنا بالذاكرة إلى ما أعلنته مصلحة الإحصاءات العامة عن حجم البطالة في المملكة في العام الماضي (1433ه)، إذ بلغ عدد العاطلين حوالي ستمائة وثلاثة آلاف عاطل وعاطلة، وتمثل نسبة الإناث فيها خمسة وثلاثين في المائة، أي ما يزيد على المائتين وأحد عشر ألفاً من العاطلات. ولا نريد أن نغفل الحديث عن الجهود التي تتم لمواجهة البطالة أو نقلل منها، غير أن طبيعة المشكلة وحجمها ومخاطرها المحدقة بالمجتمع تفرض علينا أن نكون على أكبر قدر من المصارحة، وعلى مستوى أكبر من تحمُّل المسؤولية الواجبة إزاءها. ولكن لنا أن نقول إن المجتمعات كافة تدرك جيداً أن البطالة، وإن كانت تعني عدم توافر فرص العمل للقادرين عليه والراغبين فيه والباحثين عنه، فإن آثار هذه المشكلة تتعدد بحيث يصعب حصرها في مجال واحد، فلنا أن نتصور ما يُعانيه الفرد العاطل من مشاعر متعددة تكون خليطاً بين اليأس والإحباط، والقلق والخوف من المستقبل الذي يصبح مجهولاً لديه مما يولد عنده ضعف الثقة في نفسه وفيمن حوله، بل والحقد على غيره. وهنا تكمن الآثار المدمرة للبطالة عندما تضطرب الهوية عند العاطل أو يضعف الانتماء في مشاعره وأحاسيسه، وتشتد تلك الآثار خطورة في حالة الإناث أمهات المستقبل، وصانعات أجيال الوطن، لنا أن نتصور كيف يكون حالهن، وكيف تصبح الآثار الجانبية التي تنعكس على أبناء الوطن من جراء تلك الآثار النفسية المخيفة لتعطلهن عن العمل بعد أن أفنين من أعمارهن فترة طويلة في الدراسة والاستعداد للمستقبل. وإذا كان بعض المجتمعات قد ألقت البطالة في ظلالها المخيفة على وضعها الأمني، إذ أنتجت وأوجدت فيها بيئة مناسبة للسلوك العدواني العنيف، فإننا - ولله الحمد - نعيش في وطن آمن يحرص ولاة الأمر فيه - يحفظهم الله - على كلّ ما فيه صالح الوطن والمواطنين، وقد أوجدوا من المناخ ما يخفف المعاناة عن الباحثين عن العمل، إلا أن الواجب الوطني يفرض على الوزارات والمؤسسات المختصة، ويفرض على مؤسسات وشركات القطاع الأهلي أن تكون على قدر المسؤولية إزاء مشكلة البطالة وآثارها الخطيرة بين الشباب والفتيات، لأننا نخشى مع تفاقمها وتزايد حدتها أن يستغلها أعداء الوطن ومن يتربصون بأبنائه، فيجعلونها مدخلاً لهم لنشر المخدرات وبث الفكر المنحرف، ومحاولة توجيه الشباب نحو ما لا يفيدهم، بل ويبثون سموم اليأس في نفوسهم، وبصفة خاصة إذا طالت الفترة التي ينتظرها الباحث عن العمل دون جدوى مع مرِّ السنين. وإزاء هذه المخاطر يكون تساؤلنا عمّا أعددناه لمواجهة البطالة في مجتمعنا تساؤلاً ضرورياً ومهماً، ويجب أن يكون نصب أعيننا بصفة مستمرة فلا يبرز فقط على سطح الاهتمامات في بعض المؤتمرات والمنتديات، أو يظل مادة خصبة للعديد من البحوث والدراسات ثم تبقى الإجراءات الفاعلة للحل في نطاق الحلول البعيدة المدى، أو الإستراتيجيات التي تحتاج إلى وقت طويل، ومن بينها ما يدور حول تطوير التعليم في محاولة لجعل مخرجاته تتلاءم مع احتياجات سوق العمل في المملكة، ذلك التطوير المأمول والمطلوب نرجو ألا يكون بعيد المنال، كما نرجو أن يكون ما نخشاه ونتخوفه من ضعف التنسيق والتعاون بين القائمين على تطوير التعليم وبين المختصين في وزارة العمل ووزارة التخطيط ووزارة الخدمة المدنية والمسؤولين عن احتياجات سوق العمل، أن يكون هذا التخوف في غير محله، فنحن نتطلع إلى تعاون وثيق وفاعل لحل مشكلة البطالة. ومع هذه التطلعات يبقى سؤالنا عما نعدّه لمواجهة هذه المشكلة ملحاً بشدة، ومطروحاً دائماً، وفي حاجة إلى إجراءات سريعة حاسمة لا يطول انتظارها أمام هذه الأعداد التي تتزايد عاماً بعد عام. وما يجعل السؤال أكثر ضرورة وأشد إلحاحاً هذه الأيام هو ما ستكون عليه حال الفرص الوظيفية التي ستتولد عن توفيق أوضاع العمالة الوافدة، وما ينتج عن ذلك في سوق العمل من فرص مناسبة وسانحة للعاطلين، وبخاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن حجم العمالة الأجنبية في مجموعها - وفقاً لما تم طرحه خلال منتدى جدة الاقتصادي في العام الماضي حول العمالة الأجنبية - يتجاوز الثمانية ملايين عامل في مختلف مجالات العمل وبتخصصاتها المتعددة، فيا ترى كم يمكن أن يتوفر لنا من فرص وظيفية من بين هذه الملايين؟ ولعل الجهات المسؤولة والمختصة تطلع علينا بعد انتهاء توفيق هذه الأوضاع بإحصاءات وبيانات تحمل فرصاً حقيقية تكون مطروحة ومتاحة للباحثين عن العمل من أبناء الوطن وأن يأخذ ذلك صفة الضرورة، حتى يكون إسهاماً في حل المشكلة أو تخفيفاً على الأقل من آثارها. إننا ندرك أن حجم المشكلة كبير، وأن الجهود يجب أن تتضاعف من أجل مواجهتها، وأن أي فكرة تطرح للحل يجب أن تكون موضع اهتمام، كما أن الحلول المطروحة منذ سنوات يجب ألا تظل قيد المناقشات ورهن عمل اللجان، ولعلها فرصة مناسبة لنعيد ونؤكد التساؤل عن مشروع التقاعد المبكر للمعلمات الذي ما يزال محل نقاش ودراسات على الرغم من إيجابياته المعروفة وما يوفره من فرص عمل وظيفية للفتيات الخريجات المؤهلات اللاتي طال انتظارهن في طابور الباحثات عن العمل، فمتى ترى هذه المشروعات وغيرها النور، ومتى تجد حلولاً زمنية واضحة للعلاج ينشرها المسؤولون المختصون في هذا المجال، تكون مناسبة لحجم المشكلة وخطورتها، وتُدخل الطمأنينة لنفوس الباحثين عن العمل، وتبعث الأمل فيهم، نرجو أن يكون ذلك قريباً. وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً