حاولت في هذه القصيدة أن أسجل جانباً من حياة وكفاح المحتفى به، وخاصة مراحل النشأة الأولى التي تظل بتأثيراتها وذكرياتها وبصمتها مرافقة للإنسان ومؤثرة فيه إلى نهاية حياته.. جبالٌ ووديانٌ وزرعٌ وملعبُ وأهلٌ وذكرى نَشْأةٍ وأقارِبُ وبيتٌ قديمٌ بالجَناحِ أظلَّنا ويحنُو علينا بالضُّلوعِ ويَحْدِبُ وإن هَلَّتِ الأمطارُ تبكي سُقُوفُهُ ففي كُلِّ ركنٍ قاطرٌ يتسَرَّبُ ويعزِفُ موسيقى يسلِّيكَ لحنُها هنا قَطْرَةٌ تهوي وأخرى تجاوبُ ويستيقظُ البيتُ الصغيرُ بأهلهِ مع الفجرِ كُلٌّ في مناحيهِ يذهبُ فبعضٌ يُوالي خَطوَهُ لدراسَةٍ تمرُّ به السَّاعاتُ يمحُو ويكتبُ وبعضٌ إلى عيسانَ تمضي ركابُهُ ويقضي نهاراَ مُضنياً يتحطًّبُ وأهلُ الرَّعَايا يتبعونَ قطيعَهم إلى كل شِعْبٍ فيه للرَّعْيِ مَطْلبُ وكلُّ نبيٍّ كانَ في البدءِ رَاعِياً وفي رعِيِها للأنبياءِ تَدَرُّبُ هيَ الكنزُ في وقتٍ تعاوت ذِئابُه ترى الخيرَ معقوداً بها حيثُ تذهبُ هنا جمَلٌ والذِّكريَاتُ تحفُّهُ نُحمِّلُهُ حملاً ثَقيلاً ونركبُ وسانيةٌ كمْ أُرهِقت في حُقُولنا وفي خدمةِ الفلاحِ تَشَقى وتَتْعَبُ وماءٌ نميرٌ لا حياةَ بدونِهِ بغُربتهِ شمسُ الحضارةِ تغربُ ترى كائناتِ الأرضِ تهتزُّ غبطةً إذا جاءَها من وابلِ الغيمِ صيِّبُ به تصبحُ الأشجارُ والنبتُ وارفاً ومنهُ لكلِّ الأرضِ زادٌ ومشربُ وفي بيدَةَ الخَيْرَاتِ نبتٌ ثمارهُ غذاءٌ وطبٌّ للذي يتطببُ وخوخٌ ورمّانٌ وأعنابُ كرمةٍ كأنَّ عليها صَافي الشَّهدِ يُسكبُ *** ومرت بك الأيامُ تأكلُ بعضَها وكنتَ على كُلِّ الجهاتِ تُحارِبُ وفي الطائفِ المأنوسِ ذكرى تعلُّم بدارٍ على التوحيدِ تبني وتُنْجِبُ فقد أنجبت جيلاً تسامى عطاؤُهُ وصارَ مثالاً للنجاحاتِ يُضرَبُ ومنها إلى أمِّ القرى سرتَ واثقاً إلى كوكبٍ تهفو إليهِ الكواكبُ هنا جبلُ النُّورِ الذي شَعَّ نورهُ هنا أنزلَ القرآنُ والكونُ غَيْهَبُ هنا موقفٌ لم تعرفِ الأرضُ مثلَه رسولٌ لغيرِ الحقِّ لا يَتعَصَّبُ ..!! تغيرَ وجهُ الأرضِ بعدَ مُحمدٍ تآخى على الإسلامِ شرقٌ ومغربُ ..!! ومكةُ أغلى بُقعةٍ في قلوبنا تنافسُها في الحبِّ والعزِّ يثربُ *** وفي دُرَّةِ الصَّحراءِ تكتَملُ الرُّؤَى لمستقبلٍ للرُّوحِ فيهِ توثُّبُ بمعهدِها المشهورِ كُنتَ موفقاً لتحقيقِ ما يَهَوى ويرجوهُ طالبُ وكم طالبٍ غنَّى نشيدَ نجاحهِ وكم طالبٍ يبكي أسىً حين يرسبُ وكم طالبٍ والبشرُ يملأُ روحَهُ وكم طالبٍ من عاثرِ الحظِّ يندبُ وطرتَ لغربِ الأطلسيْ في مُهمة يحفُّ بها فوقَ الصِّعَابِ تَغَرُّبُ فكمْ حاجزٍ يبدُو ويتلوهُ حاجزٌ تجاوزتَهُ والحُرُّ لا يتَهيَّبُ وعُدتَ أميناً مُنْجِزاً متواضِعاً وتسهمُ في رفعِ البنا وتواكِبُ إلى وطنٍ نسعَى لرفعَةِ شأنهِ ونشقى لكي يبقى، يُحَبُّ ويُرهَبُ *** أبا ياسرٍ مهما تشابكتِ الرُّؤى فأنتَ إلى أهلِ المروءاتِ تُنسَبُ بنيتَ حُصُوناً في بقاعٍ كثيرةٍ وصَارَ لكم أنَّى توجَّهْتَ صاحِبُ نجاحُ الفتى بين الأنامِ تواضعٌ وليسَ لهُ إلا رضَا اللهِ مأربُ يُسَاعدُ من يأتيهِ يطلبُ عَونَهُ ويتعَبُ من أجلِ الأنامِ وينصَبُ أبا ياسرٍ كم حاجةٍ قد قضيتَها وصدرُكَ من وادي تبَالةَ أرْحبُ .!! وذو الأصل يبقى شامخاً بعطائِهِ شبيهَ الجبالِ الشُّمِّ لا يتقلبُ وذو الأصلِ مهما يعتلي من مناصِب يظلُّ أصيلاً لا يغيرْهُ منصِبُ !! ويكفيكَ أنَّ اللهَ حبَّبَ خلقَهُ إليكمْ وفيكمْ والمحبَّةُ مَكْسَبُ ويكفيكَ حُبُّ الناسِ مجداً ورفعة وأنَّكَ للمولى به تتقرَّبُ ومن حبَّهُ ربُّ العبَادِ فإنَّهُ لكلِّ قلوبِ الخَيِّرينَ مُحبَّبُ [email protected] أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام