يحتفي الفلسطينيون على مدى أيام شهر أيار من كل عام بذكرى النكبة الكبرى، التي ابتدأت فصولها وتداعياتها المعروفة للجميع في 15-أيار- 1948م، سواء بالمهرجانات الخطابية أو بالمسيرات التي تنظم في الداخل الفلسطيني لبعض القرى التي هجروا منها داخل ما بات يُعرف بالخط الأخضر، أو بالمؤتمرات والبيانات التي تصدرها الفصائل الفلسطينية ولجان العودة التي أصبحت تمثل سمة مهمة من سمات العمل الفلسطيني بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م، ورغم تباين الظروف السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها اللاجئون الفلسطينيون، إلا أن هذه النشاطات السنوية بذكرى النكبة تبرز حقيقة ناصعة واضحة واحدة، هي أن الفلسطينيين فرادى وجماعات اجتماعية أو سياسية، ترى أن العودة إلى الوطن هي فقط وحدها التي تمثل نقيض النكبة، والقادرة على محو آثارها المشينة المادية والمعنوية، وما غيرها من الاجتهادات في هذا السبيل إلا مضيعة للوقت وإطالة لحالة العنف التي قد تلف المنطقة برمتها، وإدامة لحالة عدم الاستقرار السياسي الذي يجتاح المنطقة. فهل يتمكن الفلسطينيون بهذه النشاطات هذا العام من إيصال رسالتهم وصوتهم إلى القوى المعنية والقادرة على فرض حل أو تسوية تستجيب لحاجتهم ولمطالبهم المشروعة، وفي مقدمتها حقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم وديارهم في وطنهم الأصلي فلسطين؟! أم ما زال العالم بحاجة إلى بيان أوضح من البيان الذي قدمه الشعب الفلسطيني على مدى سنوات التشرد واللجوء الخمسة والستين عاماً، التي قضاها في هذا المنفى الإجباري والقسري والتي مارس خلالها الشعب الفلسطيني كل أشكال النضال من أجل حقوقه المشروعة. لن يكل الفلسطينيون جيلاً بعد جيل من المطالبة بهذا الحق (العودة)، ليس لأن الشرعية الدولية قد كفلته لهم فقط، بل لأن المسألة بالنسبة لهم أبعد من أن تكون مسألة قانونية أو مسألة ظروف معيشية أو مادية يمكن التغلب عليها في أي مكان بعيداً عن الوطن أو في داخله، بل لأنها مسألة ارتباط تاريخي وجغرافي وعقائدي ومعنوي واجتماعي وسياسي وقانوني بوطنهم فلسطين. فأية جهود سياسية قاصرة عن إدراك هذا المعنى لحق العودة سوف يكون مصيرها الفشل في إنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أو طمسها، وطمس آثار النكبة الكبرى. لذا، فإن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تطرح إشكالية كبرى أمام الجهود الساعية لإقرار حل يعتمد مبدأ تقاسم فلسطين على أساس حل الدولتين، خصوصاً وأن الطرف الآخر يسعى لانتزاع اعتراف وإقرار دولي وعربي وإسلامي وفلسطيني بيهودية دولته، ويرى في العنصر الديمغرافي الفلسطيني الموجود فيه حالياً داخل حدود كيانه الغاصب تهديداً لنقائه وبقائه في خريطة المنطقة، وذلك بسبب تركيبته العنصرية وأهدافه الاستعمارية الإحلالية، فكيف يمكن له أن يقبل بعودة اللاجئين الذين يربو عددهم على خمسة ملايين إنسان يحلمون بالعودة إلى موطنهم الأصلي؟!! إن ذلك يعني التقويض الكامل لمشروعه العنصري الإحلالي الوظيفي. ولذا لابد من تغيير لطبيعته، وهذا مستحيل حتى يتقبل فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين، لذلك إن إنهاء الصراع في فلسطين والمنطقة لابد أن يرتكز على أسس منهجية أساسية لا تقوم على منطق القوة، أو على شرعية القوة، بل تقوم على أساس من الشرعية التاريخية والاجتماعية، فالحقيقة التاريخية الاجتماعية ثابتة، ولا تقبل التغيير وإن احتملت إمكانية التغييب بفعل عوامل القوة المتغيرة فإنها سرعان ما تعود وتعبر عن نفسها في استعادة الذات لوعيها، والذي يمثل فيه البعد التاريخي والاجتماعي والجغرافي أهم محدداته ومحركاته. فكيان الاغتصاب الصهيوني الذي يسعى جاهداً لتغييب حقائق التاريخ والجغرافيا والسكان ويفرض واقعاً قائماً على أساس القوة الغاشمة، معتمداً على نظام دولي منحاز، لا يمكن أن يتيح المجال أمام حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. إن تفكيك العلاقة الوظيفية القائمة بين كيان الاغتصاب الصهيوني والإمبريالية هي وحدها الكفيلة فقط بوضع المنطقة على طريق إيجاد الحل العادل والدائم للصراع في المنطقة، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في العودة وتقرير المصير، وذلك على أساس الحفاظ على الوحدة السياسية والجغرافية لإقليم فلسطين، عندها فقط تزول العقبات كافة من طريق تحقيق حلم العودة للفلسطينيين، ويتمكن العالم عندها من محو آثار النكبة الفلسطينية الكبرى، وإقامة الكيان الموحد الذي تتوفر فيه الشروط والظروف الموضوعية للمساواة بين كل عناصره السكانية وعلى اختلاف عقائدها وثقافاتها. تلك هي الحقيقة التاريخية والجغرافية والاجتماعية لإقليم فلسطين التي يجب التعامل معها والسعي لاستعادتها. E-mail:[email protected] عضو المجلس الوطني الفلسطيني - الرياض