إننا نفجع.. ونفزع.. لتلك الأجساد المتناثرة أشلاء في الحروب المستنزفة أرواح البشر.. وعندما تحل نكبات تقلبات الطبيعة من فيضانات، وبراكين، وزلازل، وسيول، وانهيارات.. وعند كوارث الحريق، والغرق، والاختناقات، والحوادث.. إننا نفجع.. ونفزع.. غير أننا نقف دوماً بين يدي الله نستلطف رحمته، وقدرته، وجبره، وسكينته.. كثيراً ما تزهق الأرواح هدراً كما في الحروب.. وما تميد به الأرض قريبة منا في سوريا، وفلسطين على سبيل المثل.. وبعيدة عنا كما في بورما.. وسواها.. وكثيراً ما تزهق الأرواح قضاء وقدراً كما في بعض حوادث المواصلات.. عن طيش سائق، أو عدم صيانة مركبة، أو غفلة عين.. غير أن الأرواح التي تخرج من الأجساد لها آجالها الموقنة.. تتعدد الأسباب في موتها، لكن الموت كما قيل واحد.. هو الحق الموشى بالخوف.. وبالحزن.. وبالرهبة، وبالرجاء.. يخلف مع الفجيعة إيماناً بنزوله.. يخلف دعاء لجبره.. يخلف رغبة حين يكون في ساحة قتال غير عادلة انتقاماً يصهد في الصدور.. يخلف رغبة في مواساة أم فاقدة، وأب مصاب، وقريب حزين.. وأهل فزعين.. الموت «هاذم للذات»، حاد في المسارات.. جرسٌ يذكر بالآجال.. الموت يجمع الأحاسيس.. يضفر أزمَّة الصبر.. يعين على التقارب.. يدعو للمواساة.. الموت صوت للحقيقة.. للمواعيد الآتية.. كثيراً ما أقف عند أخبار الوفيات.. أتأمل الأعداد، والحالات.. الكبير يموت، والصغير يموت.. الفقير يموت، والثري يموت.. البعيد يموت، والقريب يموت.. الوجيه يموت، والمغمور يموت.. تربة واحدة تجمعهم.. رب واحد يتلقاهم.. مصير واحد يؤولون إليه.. كما الصلاة، كلُّ من يؤديها تلتحم جبهته بموطئ قدميه.. وأقدامهم.. فقراء وأغنياء، وجهاء ومغمورين.. الله وحده المبتدأ، والملتقى عنده تعالى.. ولئن جاء الإنسان للأرض تتابعاً، وذهب تفاوتاً.. فإنه مُبْعَثٌ من الأرض في لحظة واحدة.. ليوم واحد.. اللهم ارحم كل من مات.. وارحم كل من يحيا.. فرحمتك بالأول عفواً، وغفراناً، ورضواناً فلا تزغ قلوباً آمنت بك.. وبالثاني هداية، وحفظاً، ومعافاة، ولكليهما ثباتاً ورضاء.. فلا تخيب آمالاً فيك.. *** بالأمس فقدت عوائل المبارك في حريملاء خمسة من أبنائها - رحمهم الله - في مقتبل العمر، في حادث طارئ، قضاء وقدراً.. أفزعني الخبر، وأحزنني كثيراً.. أشاركهم العزاء والدعاء والبكاء.. فاللهم اجبر آل المبارك في مصابهم، وأنزل على قلوب الأمهات والآباء الفاقدين أبناءهم منهم فيض رحمتك وسكينتك، واجعل أبناءهم شهداء وشافعين لهم، واجبرهم، وعوضهم الصبر والرضا. وإنا لله وإنا إليه راجعون. آمين. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855