انتشر البريد الإلكتروني الآن انتشاراً واسعاً، وصار من أسرع وسائل الاتصال وأقلها كلفة، ولا تكاد تجد شركة أو مؤسسة أو فرداً -كبيراً كان أو صغيراً- إلا ولديه بريد إلكتروني، وبدلاً من الرسائل المكتوبة والفاكسات التي كانت الشركات تتلقى عبرها شكاوى وأسئلة وطلبات الزبائن صار الإيميل الآن هو الأساس بعد أن كان مجرد ظاهرة تقنية لطيفة، وشيئاً فشيئاً بدأ الناس يهجرون وسائل التواصل القديمة، ورغم أنها لم تنقرض تماماً إلا أن منزلتها وأهميتها صارت أقل من قبل بكثير، فاختفت الرسائل المكتوبة، وقلَّ استخدام الفاكس كثيراً حتى نادى الكثير من أهل القطاع التقني بإلغائه تماماً من قاموس المفردات اليومية التي نستخدمها، وذلك ليحذو حذو البرقيات. نعم، لقد استخدمتُ كلمة «برقيات»، وهي كلمة غريبة جداً لمن يسمعها اليوم خاصة الجيل الجديد! لا أحد يكاد يعرف البرقيات اليوم. ولو قلت كلمة مثل «تيليكس» فهل ستبدو مألوفة؟ أشك في ذلك! البرقيات كانت رائدة ونافعة في وقتها، وهي عبارة عن رسائل تعتمد على إشارات كهربائية تُرسَل على هيئة رموز (مثل شفرة مورس) خلال أجهزة التلغراف ولما تصل للطرف الآخر –التي قد تكون دائرة حكومية أو شركة اتصالات- يجمع المسؤول أجزاء الرسالة ويفك الشفرة ثم يرسل الرسالة إلى المُرسَل إليه، وتكون الرسائل عادة قصيرة لأن فك الشفرة يحتاج وقتاً. أما التيليكس فهو شبيه بالبرقية ولكنه الخطوة الأعلى تقنياً، فبدلاً من رموز وشفرات يستطيع الشخص إرسال الرسالة مباشرة عبر خطوط مثل خطوط الهاتف. غني عن القول إن هذه التقنيات انقرضت الآن بعد ظهور الإيميل، وشيئاً فشيئاً أخذت الشركات والجهات الحكومية المسؤولة حول العالم تستغني عن هذه الخدمات، فأغلق البريد النيوزيلاندي خدمة البرقيات عام 1999م، وشركة الاتصالات في دولة ليتوانيا عام 2007م، واتصالات النيبال عام 2009م، والبريد الاسترالي في 2011م، وشركة الاتصالات الماليزية عام 2012م، وقبلهم توقفت البرقيات في الكثير من مدن العالم ولا يقدمها الآن إلا القليل. أما إحدى طرائف التلغراف والبرقيات فهي ما رافق قصة «البؤساء»، تلك الرواية الشهيرة للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو التي نُشِرَت عام 1862م وهي من أشهر الروايات في العالم، نشرها الكاتب على عدة أجزاء لضخامتها فهي تبلغ 1200 صفحة وأيضاً لتشويق القراء، وهي رواية تتكلم عن أشياء كثيرة، منها تاريخ فرنسا والسياسة والأخلاق والدين والعدل، وأحد غرائبها أنها مرتبطة بالتلغراف بشكل طريف، فهذه الرواية لها الفضل في أقصر برقية أُرسِلَت عبر التلغراف حتى الآن بعد نشرها بقليل، ذلك أن الكاتب فيكتور هوغو أرسل برقية إلى ناشر الرواية من خانة واحدة فقط وهي علامة الاستفهام، قاصداً الاستفسار إذا كانت الرواية لقيت رواجاً، فأرسل الناشر علامة تعجب واحدة، إشارة إلى النجاح الكبير الذي حظيت به الرواية! هذه من قصص البرقيات، والتي انقرضت كما هي العادة إذا أتت تقنية جديدة احتلت مكان سالفتها، وهذه سنة الحياة (التقنية). Twitter: @i_alammar