بغض النظر عن حقيقة قرار «إيقاف تصدير الدجاج» الذي اتخذته، مشكورة، وزارة التجارة، كونه جاء بعد إيقاف بعض الدول الخليجية استيراد الدجاج من السعودية، ورفض الإمارات رفع أسعار الدواجن؛ إلا أنه يتوافق تماماً مع احتياجات سياسة الدعم الحكومية؛ التي يُفترض أن تكون موجهة لمساعدة المواطنين على تحمل الغلاء في الداخل؛ لا من أجل تضخيم أرباح المنتجين والتجار!. فالسلع المدعومة يجب أن توزع محلياً؛ وفي حال تصدير الكميات الفائضة عن احتياجات السوق فمن الأولى خصم الدعم الحكومي من الكميات المصدرة وتوريده إلى خزينة الدولة. الحكومة تعاني من عدم القدرة على إيصال الدعم لمستحقيه؛ فغير السعوديين، على سبيل المثال، الذين يزيد عددهم على سبعة ملايين نسمه؛ أحد أكثر المستفيدين من سياسات الدعم الحكومية؛ يتنعمون بأسعار المنتجات الغذائية؛ الطبية؛ والنفطية؛ ولا يتحملون ضريبة الدخل. أعود إلى بيان وزارة التجارة الذي جاء فيه «أن ارتفاع أسعار الأعلاف عالمياً بنسبة 30 -40% في الفترة الأخيرة كان السبب الرئيس في ارتفاع أسعار الدجاج المحلي والمستورد، حيث إن تكلفة الأعلاف تمثل 70% من تكلفة إنتاح الدجاج». ارتفاع أسعار الأعلاف لم يكن مفاجئاً؛ بل إنني استمعت إلى أحد مسؤولي الوزارة وهو يشرح لي إمكانية ارتفاع الأسعار خلال ثلاثة أشهر بسبب ارتفاع أسعار العلف عالمياً كنتيجة مباشرة للظروف المناخية!. في الغالب تدفع تلك المعلومة المهمة التي تؤثر في 27 مليون نسمة؛ الإستراتيجيين؛ لاتخاذ خطوات استباقية عاجلة لمنع حدوث الأزمة؛ إلا أن الوزارة آثرت الانتظار على التحرك!. كان حرياً بوكالة حماية المستهلك في الوزارة التحرك السريع منذ ظهور بوادر الأزمة المناخية. أزمة الأرز العام 2008 كانت نتيجة التغيرات المناخية، وتحرك إيران وبعض الدول لشراء مجمل كميات الأرز قبل حصدها، والكميات المتاحة في السوق وتخزينها قبل ارتفاع أسعارها؛ السعودية كانت آخر المشترين فتعرض مواطنوها لموجة غلاء غير مسبوقة ما زالت تؤثر فيهم حتى اليوم. كتبت أكثر من مرة عن «الخزن الإستراتيجي» بنوعيه؛ الحكومي، والخاص؛ وأهميته في مواجهة الأزمات، وضبط الأسعار محلياً. الظروف المناخية قد تحدث لعام ثم تتبدل، بأمر الله؛ ومن كان مُحتفظاً بمخزون إستراتيجي يلبي احتياجاته لعامين؛ ومن ضمنه مدخلات الإنتاج؛ فهو قادر بعون الله على تجنب الأزمات الطارئة. فيما يتعلق بتكلفة إنتاج الدواجن، فالقول بأن تكلفة الأعلاف تمثل 70% من تكلفة إنتاح الدجاج قد لا يكون دقيقاً، ولا أعلم إن كانت هذه التكلفة جاءت وفق دراسة مستقلة ومحايدة للتكاليف، أم أنها مرتبطة بتقييم منتجي الدجاج!. إذا ما أقتنعنا جدلاً بمساهمة الأعلاف ب 70 في المائة من التكاليف الكلية؛ وأن نسبة إرتفاع الأعلاف عالمياً هي 40 في المائة؛ فيفترض أن يكون تأثير الزيادة الطارئة على 70 في المائة فقط من قيمة المنتج النهائي، لا على القيمة الكلية؛ لذا أعتقد أن رفع سعر الدجاج بنسبة 40 في المائة بحجة ارتفاع أسعار الأعلاف بنسبة 40 في المائة؛ فيه من المغالطات الكثير.. يُفترض أن تتصف سياسة التسعير لدى التاجر، والمنتج بالمرونة وبما يمنع الفجوات السعرية الكبيرة؛ حفاظاً على حقوق وإمكانيات المستهلك الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع المُنتِج والتاجر.. فقدان المستهلك يعني كساد المُنتَج وخسارة التاجر، كما أن خفض الاستهلاك يؤدي إلى النتيجة نفسها. كان عبدالرحمن بن عوف؛ رضي الله عنه؛ يقول عن تجارته: «لم أرد ربحاً قط» أي أنه لا يتمسك بهامش ربح محدد بل يبيع بما زاد عن سعر الشراء؛ وهذه سياسة تسويقية لتعظيم الربح من خلال زيادة حجم المبيعات. كنت أتمنى أن يقتدي تجارنا ومنتجونا بسياسة عبدالرحمن بن عوف؛ إلا أن الاقتناع بتلك السياسة تحتاج إلى أصحاب العقول الحصيفة والقلوب الرحيمة!. مقاطعة المستهلكين للدجاج؛ إن ثبتت؛ فستخفض الاستهلاك ما قد ينعكس سلباً على الكميات المباعة وبالتالي أرباح التجار.. يجب أن يكون للمستهلك دور رئيس في التسعير من خلال المقاطعة، أو خفض الاستهلاك إلى النصف، وهو اقتراح طرحته العام 2008 لمواجهة جشع بعض التجار، إلا أن عدم تنظيم المستهلكين صفوفهم أوثباتهم على رأي واحد حال دون تحقيق ذلك الهدف؛ خاصة مع غياب الدور القيادي ل»جمعية حماية المستهلك». لو نجح المستهلكون في خفض مشترياتهم بنسبة 50 في المائة لأوجعوا المنتجين والتجار، ولأوقفوا سياسات التسعير الجائرة، ولنجح متوسطوا الدخل في توفير جزء من ميزانياتهم الشهرية للادخار؛ وساعدوا إخوانهم من محدودي الدخل بالحصول على احتياجاتهم بأسعار معقولة. [email protected]