عزيزي السيد أبا بكر: في الوقت الذي يشهد فيه العالم صراعاً دموياً، وخلافاً بين العرب وإيران حول سوريا، وقلق في الجزيرة العربية ودول الخليج ولبنان من الأطماع الإيرانية، التي ظهرت صراحة وعلناً في قول مسؤول إيراني بأن أمن سوريا مرتبط بأمن إيران، بادر محرك البحث جوجل بوضع صورتك الجميلة وأنت بين كتبك وأدواتك الطبية، في احتفاء نبيل بيوم ولادتك، وكأن هذا الموقع يشير إلى أن العلوم والآداب والفنون توحّد العالم، بينما تفرّقها السياسة. عزيزي أبا بكر، أمير الأطباء، العالم والفيلسوف والكيميائي، بل يا أعظم الأطباء الذين أنجبتهم الحضارة الإسلامية، كم أنت محظوظ وقد ولدت عام 250 للهجرة، في الثلاثمائة سنة الأولى، السنوات المضيئة في تاريخ الحضارة الإسلامية، التي ازدهرت فيها العلوم والترجمة بشكل رائع، دون أن يظهر من بينهم من يشكك بالترجمة، ولا أنها ستنال من الهوية العربية والإسلامية، فكانت العلوم والآداب تتنقل من الحضارة الإغريقية والرومانية والفارسية إلى الثقافة العربية، وينمو العلماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حتى ظهرت أنت، وبرعت في الطب والفلسفة والكيمياء، وقبلها في الشعر والموسيقى. كنت تقول أبا بكر الرازي: وددت لو أني تركت لأطباء العالم أجمع عملاً يبقى من بعدي يحوي خبرات تغنيهم عناء البحث، كتاباً يجعلني معهم بعد رحيلي. ها أنت أبا بكر بقيت كما تمنيت، ليس في جوجل فحسب، بل قبل ذلك في جامعات العالم ومراكز البحث العلمي، وأصبح كتابك (الحاوي) مرجعاً مهماً للطب، استفادت منه الحضارة الغربية الحديثة، وبنت عليه الكثير من الدراسات في الطب. لكنك أبا بكر لم تعرف ماذا قال عنك علماء أمتك في القرون التالية، وهل أمر أخجل أن أخبرك فيه، كي لا أفسد سعادتي بك، وباحتفال جوجل بك بالأمس. ولكن الأمانة تجعلني أخبرك بأن هناك من اعتبرك ملحداً، والبعض الآخر اعتبرك كافراً، والأكثر تعقلاً تعاملوا معك كزنديق، تخيّل، بينما الغرب نفضوا كتابك (الحاوي) وترجموه وأشبعوه درساً وبحثاً، وأفضل أبناء أمتك لا يدرس كتبك في الطب، بل يحاول أن يعرف معتقدك من خلال آرائك الفلسفية، هل أنت فعلاً مسلم أم ملحد؟ حتى لو يكن قد قرأ لك كتاباً واحداً، فهو يكتفي بآراء أئمة السلف، ممن اجتهد وجعلك زنديقاً أو كافراً. هل تعرف أبا بكر، وأنت الذي ولدت في الري، جنوب غربي طهران، ماذا يحدث في طهران الآن؟ هل تعرف برنامج التخصيب النووي، أو السلاح النووي؟ أرأيت كيف لم تعد البيمارستان هل الشغل الشاغل كما كانت في عصرك، بل أصبح الموت والقتل والإبادات العرقية هي شغل الساسة الآن؟. أجزم بأنك الآن في قبرك غاضب، فكيف كنت تحلم بأن لا تدع مريضاً يعاني من مرض لم يُعرف تشخيصه وعلاجه، بينما بيننا اليوم من يتلذذ بالقتل اليومي، والقيام بالمجزرة تلو المجزرة، فلا تبتئس أبا بكر، قد ينتهي كل ذلك، ونجد من بيننا من هو في مثل قامتك، ولا نجد من يهاجمه، ويلاحقه، ويكفّره، وينفيه، وربما يهدر دمه... لا نملك إلا أن نتفاءل أبا بكر، ولأكفّ عن اللوم والتشاؤم، فلتحتفل معنا في تدشينك ليوم جديد في جوجل، قد تسأل وأنت خُلقت للأسئلة: ما هو جوجل؟ أظن أن ورقة الرسالة في يدي قد انتهت، وعليك أن تشتري كمبيوتراً وتبحث عن الكلمة ومعناها، أيضاً في جوجل!.