إصابات العمود الفقري من أكثر المشكلات المرضية التي تحتاج لخبرات وكفاءات متخصصة لعلاجها، ويُعد التشخيص والكشف المبكر عنها هو القاعدة الذهبية في علاجها بشكل متميز وفعّال، كما أن وجود الأطباء المتخصصين وتطوير الطرق الجراحية خلق نوعاً من التفاؤل الكبير في الشفاء من كثير منها. وفي هذا الموضوع سنلقي الضوء على آخر التقنيات الحديثة لعلاج هذه الإصابات خلال لقائنا مع نخبة من الكفاءات الطبية بمجموعة د. سليمان الحبيب وهم: د. دومينيك سماحة والحاصل على الزمالة الفرنسية، ود. عمرو الحبيب والحاصل على الزمالة الكندية، ود. ماجد قلادة والحاصل على البورد والزمالة الأمريكية، ود. واصف السباعي والحاصل على الزمالة الأمريكية والبريطانية، د. يحيى مرقص والحاصل على الزمالة البريطانية. تطور سريع في تقنيات العلاج * بدايةً.. صحيح ما يُقال عن انتشار أمراض العمود الفقري في مجتمعاتنا؟ - تُعد أمراض العمود الفقري من أكثر أمراض الحضارة انتشاراً، وهناك تطور سريع في التقنية الطبية يفتح إمكانات جديدة لعلاج هذه الأمراض الصعبة. ويعتبر الأطباء الانتشار المتزايد في أمراض الجهاز الحركي بصورة عامة، وأمراض العمود الفقري خصوصاً، دليلاً جديداً على انتشار نوع جديد من الأمراض الناتجة عن تغيير طبيعة الحياة يُسمى (أمراض الحضارة). وتعوّل غالبية الأطباء الارتفاع المطرد في حالات الإصابة بأمراض العمود الفقري إلى نقص الحركة، وسوء التغذية، إضافة إلى السمنة المفرطة. التشخيص المبكر للجنف * معظم حالات الإصابة بمرض الجنف (انحناءات العمود الفقري) أطفال، فما يجب على الوالدين فعله؟ - إن الجزء المهم في علاج الجنف (انحناءات العمود الفقري) هو اكتشافه مبكراً لأن ذلك يساعد على علاجه بدرجة نجاح أكبر.. والاكتشاف المبكر يستدعي فحص جميع الأطفال فحصاً دورياً إما في المدرسة أو طبيب الأطفال أو حتى عن طريق الوالدين.. والفحص الروتيني لاكتشاف الجنف يكون عن طريق الوقوف أو الجلوس خلف الطفل عن بُعد متر أو مترين وبعد البدء يقوم الطفل بالانحاء للأمام قليلاً ويقوم الطبيب بمراقبة الجزء الأعلى من ظهر الطفل للبحث عن ظهور البروز في ناحية دون ناحية أخرى من أعلى الظهر وهو الدليل على وجود الجنف في مرحلته المبكرة. التدخل الجراحي في الحالات المتأخرة * وفي حال وجود المرض ماذا يتم من إجراءات؟ - عند وجود الجنف فإنه يتم عرض الطفل على استشاري العمود الفقري الذي يقوم بعمل الأشعات السينية اللازمة وقياس درجة التقوس ونسبة الزيادة فيه.. وبصفة عامة فإنه لا يوجد حتى اليوم دواء يعالج الجنف او يمنع ظهوره، ولكن أغلب الحالات التي يتم اكتشافها مبكراً في الأطفال تكون درجتها بسيطة وتحتاج فقط لمتابعة دورية. أما إذا حصلت زيادة في درجة التقوس فمن الممكن استخدام حزام طبي في محاولة لإبطاء التقوس.. وفي الحالات التي يكون التشخيص فيها متأخراً فإن التدخل الجراحي يكون ضرورياً ويتم بنجاح تام مع استخدام التقنيات المتطورة في العلاج ووجود الطبيب المتخصص في علاج هذه الحالات. حالات العيوب الخلْقية يُمكن علاجها * هناك تشوهات خلْقية تصيب العمود الفقري منذ الولادة، ما هي الإمكانية لعلاجها؟ - يعتمد التشخيص على الفحص السريري الدقيق إضافة للفحص الشعاعي لتحديد ما إذا كانت هناك إصابة للعظم. كما تفيد أشعة الرنين في فحص الحبل الشوكي والأعصاب والغضاريف لتبيّن سلامتهم من الأمراض.. ويُعد تشخيص هذه الحالات في البداية مهم جداً لوضع خطة علاجية مبكرة لتلافي حصول أية مضاعفات. تطور الفحوصات أتاح العلاج المناسب * نرجو توضيح أهم الخيارات المتاحة لعلاج آلام الظهر؟ - قبل أن يبدأ الطبيب بوصف العلاج لآلام أسفل الظهر يجب أن يتم التشخيص الصحيح والدقيق لحالة المريض، وقد تقدمت هذه الفحوصات بشكل كبير في الفترة الأخيرة مما يُساعد الطبيب على دقة وصحة التشخيص وبالتالي تقديم العلاج المناسب. ويكون العلاج غالباً علاجاً تحفظياً وهو العلاج الذي يتم بدون تدخل جراحي، وهناك حالات لا تتجاوب مع العلاج التحفظي خصوصاً إذا صاحبت الحالة أعراض عصبية وهنا يكون الاحتياج للتدخل الجراحي ضرورياً، ويتوفر العديد من الخيارات الجراحية اعتماداً على تشخيص وحالة المريض. الرنين المغناطيسي يُشخِّص بدقة * هل من توضيح حول إصابة العمود الفقري العنقي وكيفية علاجه؟ - يمكن تقسيم شكاوي العمود الفقري العنقي إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول عندما يكون هناك ضغط على الحبل الشوكي عن طريق انزلاق غضروفي أو زوائد عظمية.. وهذا يؤثر على قوة المريض الحركية ويسبب تنميلاً في اليدين مع احتمال تأخر في المشي في الحالات المتقدمة.. ويكون الفحص السريري مهماً لاستبانة مدى تأثير الوظائف العصبية. ثم يتم عمل أشعة الرنين المغناطيسي لاستيضاح وضع الحبل الشوكي وكيفية الضغط عليه. العلاج الجراحي هو الأفضل في هذه الحالات لا يُنصح كثيراً بالعلاج التحفظي، بل يُفضل العلاج الجراحي لإزالة الضغط عن الحبل الشوكي حتى لا يتطور المرض. آلام العصب الخامس القسم الثاني عندما يكون الضغط على الأعصاب بعد خروجها من الحبل الشوكي بانزلاق غضروفي أو زوائد عظمية.. وعادة ما يتبع الآلام العصب المتأثر.. فالعصب الخامس يكون آلامه في أعلى الذراع ولوح الكتف بينما يكون تأثر العصب السادس الرقبي إلى الإبهام والسبابة وهكذا. قلة في الإحساس وقد يعاني الشخص من قلة في الأحساس أو الضعف مع آلام.. وفي غياب ضعف الحركة عند الفحص السريري يمكن علاج هذا النوع من الآلام بالعلاج الطبيعي والأدوية المسكنة (علاج تحفظي).. وإن لم تستجب الأعراض لمثل هذا العلاج، فإن العلاج الجراحي لفك الضغط عن الأعصاب هو المناسب. تخفيف الألم بسهولة القسم الثالث: هو وجود آلام في الرقبة مع عدم وجود ضغط على الحبل الشوكي أو الأعصاب الخارجة منها.. ويمكن التأكد من ذلك عن طريق التاريخ المرضي والفحص السريري ثم عمل أشعة الرنين المغناطيسي.. وأكثر الذين يعانون من آلام الرقبة هذه هم الأشخاص الذين يقومون بأعمال مكتبية لفترة طويلة أو أمام جهاز الحاسب الآلي.. وهذه الأعراض عادة ما تستجيب إلى الأدوية المسكنة مع العلاج الطبيعي لتخفيف آلام الرقبة وتقويتها بالتمارين. أهمية العلاج المبكر * وضِّح لنا بشكل أكبر التوصيف الدقيق لآلام الرقبة؟ يشعر الشخص بألم الرقبة وتيبس وتصلب في عضلاتها وقد تزيد هذه الأعراض مع العمل الطويل في وضع الجلوس أو الوقوف، كما قد يسمع المريض صوت احتكاك أو طرقعة مع حركة الرقبة وربما يشعر أيضاً بالصداع، وإذا وجد ضغط على جذور الأعصاب بالفقرات العنقية قد يشعر المريض بالتنميل أو الألم أو الضعف في عضلات الذراعين واليدين والأصابع أو في الساقين عند الأحوال الشديدة، وفي الحالات الأكثر تقدماً للمرض قد تؤدي إلى صعوبة في المشي والتحكم بالبول أو استعمال اليدين.. ولهذا أنصح بالمعالجة في بداية ظهور الأعراض. استرداد الحركة خلال 24 ساعة * في حالة مريض يُعاني من مرض انزلاق الغضروف (الديسك) في الرقبة، ماذا تنصح إذا لم يستجب للعلاج التحفظي؟ عندما يُعاني شخص من انزلاق غضروفي، وألم في الرقبة والذراع، وقد مارس العلاج التحفظي ولم يظهر أي نتيجة إيجابية، فإننا ندرك أهمية إجراء العملية لإزالة الضغط على العصب وذلك عن طريق استئصال الغضروف الضاغط مع إمكانية وضع غضروف اصطناعي ليسمح للمريض أن يسترد الحركة بعد العملية فضلاً عن تثبيت الفقرات.. ويحدد الطبيب المرضى الذين يمكن إجراء هذه العملية لهم، وبعد العملية يكون المكوث في المستشفى تحت رعاية ويمكن الخروج خلال 24 ساعة. نقص الإحساس في الساقين * وما هي مشاكل الانزلاق الغضروفي (الديسك) في أسفل الظهر؟ - أغلب الحالات تتمثل في مشاكل الانزلاق الغضروفي حيث يشعر المريض بالألم ينتقل إلى الأسفل باتجاه الساق اليمنى أو اليسرى، مع تنمُّل أحياناً.. وأحياناً مع المرضى المتقدمين في السن يشعرون بالتنميل ونقص بالإحساس في كلا الساقين مع الألم وإحساس بالكهرباء وبالأخص الشعور بالضعف عند المشي، وبخاصة في المسافات الطويلة. اختفاء الألم بعد الجراحة * ما هي وسائل علاج الانزلاق الغصروفي؟ - يتم فحص المريض فحصاً دقيقاً للتأكد من وظائف الأعصاب. ثم عمل أشعة الرنين المغناطيسي.. ويبدأ العلاج عادة بالعلاج التحفظي بأخذ الأدوية المسكنة والعناية بالظهر. فإذا لم تستجب الأعراض لهذا العلاج فإن العلاج يكون جراحياً باستئصال الغضروف المنزلق ويتم ذلك باستخدام المجهر الجراحي.. وسرعان ما يختفي الألم بعد الجراحة، ويمكن للمريض الخروج خلال 24 ساعة بعد العملية وباستطاعته الحركة بشكل عادي على أن يكون حذراً في الشهر الأول ويتمثَّل ذلك بعدم حمل الأشياء الثقيلة، ومن ثم باستطاعته البدء بالعلاج الطبيعي.