أجزم أننا لو أوقفنا شخصاً عشوائياً في الشارع ونطقنا أمامه بكلمة «رمال متحرّكة» لجعل هذا جلده يقشعر، بل أنا متأكد أن القارئ الكريم يشارك هذا الرجل الشعور، ولمَ لا؟ فمن أكثر المشاهد شيوعاً على الشاشة هو مشهد البطل أو الشرير وهو يغوص في وحل من الرمال المتحرّكة حتى يُبتلعَ حياً، وأعتقد أن كل من رأى أحد هذه المشاهد خاف واضطرب وهو يراه يغوص إلى حتفه ببطء، إما هذا أو أن يأتي من ينجده فيربطونه بفرس أو بسيارة ثم يسحبون ويسحبون ولا يستطيعون إخراجه إلا بشق الأنفس، حتى صار عندنا قناعة أن الرمال المتحركة في الغابات أخطر من النمور والأفاعي التي تسكنها، وأن من يضع قدماً في رمل متحرك فإما أن يُنجَد فوراً وإما هو هالك لا محالة! لكن مثل كل أفلام هوليوود فهذه إحدى الأكاذيب التي وضعوها ليزيدوا التشويق في أفلامهم، والحقيقة أن وقوعك - أبعد الله عنا وعنكم الشر - في رمل متحرك ليس مخيفاً إلى هذه الدرجة والسبب يعود إلى طبيعة الرمل المتحرك، ونترك العالم الهولندي دانيل بون يشرح هذه الطبيعة، فيقول إن الرمال المتحركة مكونة من 4 أجزاء: رمل، ماء، طين، ملح. هذه التركيبة تصنع جسماً من الرمل يبدو متماسكاً في الظاهر ولكنه فعلياً مليء بالفجوات بسبب الماء، والطين يربط بتراخٍ بين ذرات الرمل. طالما استمر هذا الجسم على حاله فإنه يظل على هذه الحالة من التماسك النسبي، لكن بمجرد أن نُخِل بهذا التوازن - كأن نضع قدماً في الجسم الرملي المائي - فإنه يتغيَّر في طبيعته من مادة هلامية إلى مادة سائلة، وكتقريب تستطيع أن تتذكر الزبادي والتي تكون متماسكة شبه صلبة إلى أن تقوم بتحريكها بالملعقة فتزداد سيولة، وعندما تتحرك القدم أكثر يزداد الطين سيولة (وقد كان الطين هو سبب التماسك الضعيف أصلاً)، حينها ينهار هذا الجسم وأنت داخله، فينزل الرمل للأسفل ويصعد الماء للأعلى، يأتي بعدها دور الملح، فعندما تسيل جسيمات الطين فإن الشحنات الكهربائية في الأملاح تجعلها تتكاتف وتنزل للأسفل مع الرمل، فصار عندنا الآن مزيج ثقيل غليظ من الطين والرمل والذي صار الآن أشد كثافة مما كان قبل تحريكه، وإذا بالجسم الرملي قد أطبق عليك بإحكام! ما العمل الآن؟ إذا كنت لا تزال تصدق أفلام هوليوود فيستطيع رفاقك الاستعانة بالخيل والحبل ويسحبوك خارج البركة الرملية، لكن المشكلة أن القوة اللازمة لإخراج الغائص هي عشر آلاف نيوتن (النيوتن وحدة لقياس القوة)، وهذه نفس القوة المطلوبة لرفع سيارة كاملة في الهواء. ماذا يعني هذا؟ يعني أنه إذا ألقى رفاقك إليك بالحبل ولففته حول وسطك فسينجحون في إخراجك لكن بعد أن ينفصل جسدك إلى قسمين أحدهما مع أصحابك والآخر في الرمل المتحرك! أفضل طريقة للخروج هي أن تعيد بناء الجسم الرملي الذي أحكم الخناق عليك، وذلك بأن تُحرِّك أطرافك بحيث تصنع الساق دوائر متابعة. هذا يمزج الماء مع الرمل والطين ويقلّل كثافة الرمل المتحرك مما يسهِّل إخراجك. إذاً، كن حذراً ، ولا تجعل عقلك مستودعاً للأكاذيب والمعلومات المشوّهة. و إليك المعلومة الأخيرة التي تدحض خرافات هوليوود، فرغم أن خروجك من الرمال المتحركة صعب إلا أن غرقك مستحيل، ذلك أن الرمال المتحركة لن تسحب كامل جسمك للأسفل، بل إنك ستغوص حتى وسط جسمك تقريباً ثم تتوقف، فحتى لو لم يكن حولك أي مساعدة فلن تغرق بإذن الله!