جمعتني بالأستاذ محمد الشريف زمالة مجلس الشورى واللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس قبل سنوات. وطيلة تلك الفترة لم أعرف عنه سوى الجدية في العمل والرغبة في الإنجاز والنزاهة. وفي وقت لاحق قرأت سيرته الذاتية التي أصدرها في كتاب شيق فعرفتُ جوانب جديدة من حياته الوظيفية والشخصية لم أكن أعرفها من قبل وفي مقدمتها العصامية وتكوين الذات. وعندما أصبح رئيساً للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمرتبة وزير اتصلت به وقلت له إنني أدعو لك بالتوفيق والعون من الله قبل أن أهنئك على الموقع الجديد.. فالحقيقة أن هذا الموقع آخر ما يتمناه الإنسان لنفسه أو لمن يحب مع أني في يقيني كنت ولازلت أشعر أن محمد الشريف المعروف بنزاهته وجديته ربما يكون من أفضل من يمكن أن يُرشَّح لهذا الموقع. لكن أن تصبح مسؤولاً عن مكافحة الفساد، وأن تبدأ من الصفر دون طاقم وظيفي ولا مبنى ولا تجهيزات فتلك مهمة تكاد تكون انتحارية! نحن نريد من محمد الشريف أن يقضي على الفساد، وأن يقضي عليه دفعة واحدة، وأن يفعل ذلك «الآن.. الآن وليس غداً»، لكنّ محمد الشريف في النهاية ليس إلا بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. ومهما بلغت نزاهته وجديته لن يكون «سوبرمان» الذي نشاهده في الأفلام ولن يستطيع أن يحقق لنا كل هذا الذي نطلبه منه.. فطموحاتنا وتطلعاتنا - كأفراد في هذا المجتمع - كبيرة، ونحن نشعر أن من حقنا ومن حق هذا المجتمع الذي زكمت أنفه رائحة الفساد وضاق ذرعاً بالمفسدين أن يطلب هذا وأكثر من محمد الشريف.. أليس هو - في نهاية المطاف - الرجل المسؤول عن مكافحة الفساد في البلد؟ حقيقة الأمر أن هذا الرجل ليس هو وحده المسؤول عن الفساد، فكلنا - نحن المواطنين - مسؤولون ويجب أن نتحلى بالشجاعة ونحارب معه.. كلٌ من موقعه، فحتى أصغر مظاهر الفساد التي يمكن أن يرصدها المواطن من خلال موقف عابر ويُبلِّغ عنها يمكن أن تكون مؤثرة من خلال أثرها التراكمي. كثيرون، ممن يعرفون مدى تعقد مشكلة الفساد، يشفقون على محمد الشريف.. لكن محمد الشريف لا يحتاج إلى الشفقة. هو يحتاج، وبشدة، إلى التعاون.. وأشعر أننا أيضا كثيراً ما نقسو عليه ونطلب منه أن يزيل بين عشية وضحاها جبالاً من الفساد المتراكم من خلال الهيئة التي لم تستكمل كوادرها ومقوماتها ولم تراكم ما يكفي من الخبرة.. والرجل يناضل لرفع رأسه فوق الماء مُحاطاً بمن يقسو عليه من جهة ومن يشفق عليه من جهة أخرى. هو يقول إن جهود الهيئة لن تستثني أحداً.. لا صغيرَ ولا كبيرْ. ويمكن أن نأخذ هذا الكلام على أنه نوع من الحماس النظري أو تشجيع الذات أو التفكير بصوت مسموع أو حتى الأماني. ومع هذا، فجميلٌ أن يأتي هذا الحماس أو الأماني - نسميها ما نشاء - ففي النهاية نحن نعتبر أن هذا التزام من الهيئة لمواجهة الفساد بغض النظر عن مصدر هذا الفساد. هذا التعهد من رئيس الهيئة ينعش توق المواطن لوطن لا يدنسه فسادٌ أو مفسدون حتى وإن كنا نعلم حدود إمكانات الهيئة في الوقت الراهن ومدى تعقُّد مشكلة الفساد ولكن حتى لو تحقق ذلك في مستقبلٍ منظور على مدى تدرج الهيئة في اكتساب الخبرة بمرور الزمن فهذا يعني أننا نتحرك إلى الأمام فيصبح التحدي الكبير هو كيف نسرع الخطى ونختصر الزمن ونوقف نزيف الفساد. سأكون واقعياً وأصطف مع المشفقين المحبين فأتطلع إلى يومٍ جميلٍ قادم تتحقق فيه أحلامنا وأحلام محمد الشريف.. ومن سار على الدرب وصل.