يلاحظ في الآونة الأخيرة تنامي سلوك إداري ترسخ مع الوقت وهو عزل المسؤول عن دائرة عمله وجعله على هامش دورة العمل.. قطاع الخدمات ممثل في وزارات: التعليم والصحة والعمل والتجارة والصناعة والمياه والكهرباء والنقل والبلديات والجامعات. في داخله قوى متصارعة للسيطرة على هرم سلطته الإدارية تتمثل في نفوذ النائب والوكلاء وحتى مديري العموم التي تشكل القوى الخفية والناعمة لهذا الصراع. في السابق الصورة الساطعة هي تسلط مديري عموم الإدارات المالية أما الآن فقد زحف على صنع القرار مديري مكاتب الوزراء واتسعت الدائرة لتشمل سكرتارية الوزراء والنواب في قطاع الخدمات. وهناك صراع خفي بين مدير المكتب وسكرتير المكتب صراع مبطن وغير معلن.. مدير المكتب يسعى إلى عزل المسؤول عن محيطه وعن ما يدور في قطاعه وتطبع هذا الأسلوب حتى أصبح نمطا تقليديا بل جزءا رئيسا من الثقافة الإدارية في قطاع الخدمات وتجرأ مدير المكتب ليوقع المعاملات بدلا من المسؤول الأول وتملك معظم الصلاحيات المالية والإدارية. أما التطور المثير فهو تنامي قوى السكرتارية وهم شخصيات نافذة وحاصلين على درجات علمية ويتمتعون بذكاء ومهارة وقدرة على الكر والفر والمواجهات الساخنة, ولديهم شخصية نفعية ووصولية لا يتورعون عن عمل التجاوزات.. السكرتارية الجدد نجحوا في قطاعاتنا في عزل مدراء المكاتب وساعدهم في ذلك جغرافية المكاتب التي جعلت مدير المكتب في الطرف النائي والبعيد عن المسؤول وقربت السكرتارية لباب هرم السلطة فكانت جغرافية وتوزيع المكاتب نقطة إيجابية استثمرها السكرتير في تعميق التباعد وزرع الخلاف والشقاق بين المسؤول وبين مدير مكتبه وبذلك نجحوا في جعل المسؤول بألف عزلة وعزلة. أصبح الصراع على هرم سلطة قطاع الخدمات والاستحواذ على النفوذ والسيطرة -أصبح- على أشده ما بين مدير المكتب وبين السكرتير أما الوزير في بعض الحالات مغيب عن بعض الإجراءات والقضايا العامة.. صحيح أن بعض المسؤولين يستمع إلى شكوى المواطنين لكنه ليس متأكدا أن هذه الممارسات والأخطاء والتجاوزات تحدث في قطاعه وهذا يفسر العديد من القضايا التي نستمع إليها في وسائل الإعلام من بعض المسئولين من الوزراء والنواب بتعجبهم واستغرابهم وطلب التأكد من الحالة, أو احتدامهم وتعنيفهم للمواطنين كما حدث مؤخرا من حوارات بعض الوزراء دليل على العزلة الإجرائية. المرحلة الحالية تتطلب من الوزير الذي يريد النجاح لوزارته أن يقطع خطوط التدخلات من معاونيه ومديري المكاتب والسكرتارية التي تعمل لخدمة مصالحها وذاتها وشؤونها, وعليه أن يباشر بعض الأعمال بنفسه حرصا منه لحماية حقوق ومصالح المواطنين.. يجب عدم تعريض حقوق الآخرين للهدر والسماح لإدارته وتحت مظلته في ضياع حق الآخرين.. نريد من المسؤول أن يكتشف الخلل وهو على سدة الوزارة, وإلا لن يكون مجديا أن يكتشف الخلل والأخطاء والكوارث الإدارية والإجرائية بعد أن يغادر كرسي الوزارة.