العبادة روح الدين الإسلامي، وركنه الثاني الشامخ بعد إصلاح العقائد وإحياء الضمائر، ولذلك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتصحيح عبادة المسلمين والتنبيه إلى أي خلل يقع فيها: وفيما يلي صور موجزة من احتسابه صلى الله عليه وسلم في مجال العبادات: فعن عائشة رضي الله عنها قالت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن شيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية , متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم: أما أنا فأنا أُحيي الليل أبداً، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: المراد بالسنّة الطريقة، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريقة الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفّوا بما التزموه وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم، السمحة، فيفطر ليتقوّى على الصوم وينام ليتقوّى، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.