اغتسلت الأنفس من الأدران وتطهرت من الذنوب والاثام وانجلت القلوب من الأمراض وصارت نقية كنقاء الثوب الأبيض من الأوساخ وذلك بفضل صيام الشهر الكريم وقيامه لمن قبل الله صيامه وقد تشبعت الأنفس روحياً وصحت الأبدان وشفيت من الأسقام. ولأن الأيام الطيبة المباركة تمضي سراعاً انقضى رمضان ومضى على عجل نعم مضى موسم الخيرات والبركات والنعم شهر الصيام والقيام وها نحن نتحرق شوقاً إلى رمضان المقبل. مضى رمضان بعد أن نهلنا من معينه وتزودنا بنفحاته العطرة و.. إسلامنا وعمرنا الدواخل بزاد التقوى نسأل الله القبول الحسن لكل مسلم صام وقام وأن يعود في العام القادم والأمة الإسلامية ترفل في ثوب الإخاء والمحبة والعزة والكرامة. بينما الأمة الإسلامية تعيش في الأجواء الروحانية وهي تتفيأ ظلال رمضان الوارفة المثمرة اليانعة إذ هبت نسائم العيد المبارك وهلت بشائره واشتم الصائمون عبق الأريج وتنسموا الشذا الفواح وازدانت الأنفس بالفرح وازدادت معدلاته ووصل درجة البذخ الفرائحي في أول يوم من أيام العيد واكتملت دائرة الألق الفرائحي في اليوم الثالث وما زال الجميع يعيشون في غمرة الغبطة والسرور والبهجة والتي لا يستطيع أي إنسان أن يعبر عما يجيش بخاطره حيالها ولا يستطيع أن يصف الحالة التي عليها حتى لو أوتي بلاغة الذبياني أو فصاحة الخنساء. بهذه المناسبة السعيدة ولكافة شعوب الأمة الإسلامية أهدي حروفي ومدادي وخلاصة أفكاري أقول لكم من أعماق أعماقي وبملء جوانحي وأحاسيس نبيلة مفعمة بالامتنان والحب: كل سنة وانتم طيبين، وكل عام وانتم بخير أعاده الله علينا وعليكم بالسعد والخير واليمن والبركات والجميع في قمة السعادة والهناء والصحة والعافية مع أمنياتي القلبية الصادقة بتحقيق الأمال والأماني الغالية. من هذا المنبر أصور لكم فيض الفرحة التي غمرت النفوس وأعكس لكم مداها وأثارها لتروا كيف أنها اجتاحت النفوس وعمت الدواخل وسكنت قلوب وأفئدة الجميع الصغير والكبير رجالاً ونساء وأطفالاً. حكى لي صديقي قائلاً ان أبناءه ذوي الأعمار المتفاوتة لم يستطيعوا من شدة الفرح أن يصبروا حتى ترسل الشمس خيوط أشعتها الذهبية وينبلج الصبح ومن ثم يرتدون ملابسهم الجديدة وقد اصروا اصراراً شديداً أن يرتدوا ملابسهم قبل النوم ويناموا بها وكأن في مخيلتهم أن الصبح لا يسفر وأن الليل سوف يطول. وكان لهم ما أرادوا وقد ناموا وهم يتوشحون أثوابهم الجديدة ويحتذون احذيتهم. وروى لي صديق آخر أن ابناءه سهروا حتى الصباح وقد جافاهم المنام ولم تغمض لهم أجفان طول الليل وحتى الصباح. إنها فرحة العيد التي ملكت القلوب والنفوس، إنه الفرح النبيل الذي سيطر وهيمن على دواخلنا دون استئذان وضمخ نفوسنا وجملها بألقه وجعلنا نعيش أحلى الأيام والليالي ونسبح في بحور المودة ومحيطات من الهناء والسرور ودوماً في تواصل وتكاتف وتراحم وجعل الله أيامنا كلها أعياداً ومواسم أفراح ومتعنا بالصحة والعافية.