تحدث عدد من أصحاب الفضيلة المشايخ عن الفتن ومخاطرها سيما في هذا العصر الذي شهد ولا يزال يشهد سلسلة متتابعة من الفتن.. وأكدوا أننا في عصر تلاطمت فيه الفتن وادلهمت فيه الخطوب، ووقع كثير من المسلمين ضحية لليأس والحيرة والضياع والفتن من السنن الكونية التي يبتلي بها الله عباده. وأجمعوا في أحاديث ل«الجزيرة» على أن الخلاص من هذه الفتن هو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالي، والمسارعة إلى طلب مغفرته ورضوانه، والإنابة إليه، والتسليم بقضائه وقدره، ولزوم التقوى والعمل الصالح، والاعتصام بالله، والتوكل عليه والاحتماء به. خطورة الفتن ففي البداية قال وكيل ديوان المظالم بالمنطقة الشرقية الشيخ إبراهيم بن سليمان الرشيد إن الفتن ووقوعها من السنن الكونية في هذه الحياة بل هي من الابتلاء الذي يصيب الخلق من الله عز وجل وفي ذلك حكم بالغة، وأن ما يجري في هذا الكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، ما أصاب في هذه الدنيا من ابتلاء وفتن ومحن في النفوس والأموال والأولاد والأبدان فبعلمه وقضائه وعن مشيئته وحكمته. ونقل فضيلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية بيان الحكمة من الفتنة والابتلاء في كتابه«الحسنة والسيئة» وليست البلايا والمصائب تأتي من طاعة الله ورسوله كما يظن بعض الجهال فإن هذه جزاء أصحابها خير الدنيا والآخرة، ولكن قد تصيب المؤمنين بالله رسوله مصائب بسبب ذنوبهم لا بما أطاعوا فيه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم لا بسبب طاعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما ابتلوا به من السراء والضراء والزلزال ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم لكن امتحنوا به ليتخلص فيهم من الشر وفتنوا به كما يفتن الذهب بالنار ليتميز خبيثة من طيبه. والنفوس فيها شر والامتحان يمحص المؤمن وذلك الشر الذي في نفسه لذلك كان من حكمة الاتبلاء التمحيص يقول تعالى «وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين». وأكد فضيلته على خطورة الفتن والوقوع في حماها وقال كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون كل الحرص على البعد منها ومسبباتها وتجنب الخوض فيها بجميع أشكالها وصورها ويشغلون أوقاتهم بطاعة الله عز وجل والأعمال الصالحة استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا» أخرجه مسلم في كتاب الإيمان. وأعاد الشيخ إبراهيم الرشيد التأكيد على أن الفتن من السنن الكونية التي تحدث في هذا الكون بمشيئة الله عز وجل فإن لله في ذلك حكمه، وعلى المسلم أن يتعامل مع هذه الفتن حسبما دل عليه كتاب الله عز وجل وبينه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى يكون في مأمن. ورأى فضيلته أن هناك عدداً من الأسباب الواقية من الفتن وشرورها بإذن الله تعالى وقال: أولاً : التمسك بكتاب الله عز وجل لأنه الحصن الحصين من الوقوع في الفتن كما جاء الحديث الذي رواه علي ابن أبي طالب عنه عندما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إلا أنها ستكون فتن فقلت وما المخرج منها يارسول الله قال كتاب..» الحديث، وثانياً: السمع والطاعة لولي أمر المسلمين وأكد أن هذا من أعظم الأسباب الواقية من شرور الفتن فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال رجل كأنها موعظة مودع فبماذا تعهد إلينا يارسول الله قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعيش منكم فسيري اختلافاً كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ). وواصل فضيلته حديثه عن الوقاية من الفتن قائلاً: وثالثاً، الاحتكام إلى كتاب الله عز وجل وعرض تلك الفتن على كتاب الله وسنة مصطفاه قبل الخوض فيها والسير في ركابها حتى يتبين حكم الله عز وجل يقول تعالى:«فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً»، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». وشدد وكيل ديوان المظالم بالمنطقة الشرقية على أهمية الالتفاف حول علماء الأمة والأخذ منهم واتباع نصحهم وتوجيههم أثناء حدوث الفتن والبعد عن مخالفتهم أو ضرب أقوالهم بعضها ببعض، داعياً إلى التحصن بكثرة الأعمال الصالحة في مواجهة الفتن وآثارها لما في ذلك من النفع العظيم في تجاوز المحن والفتن، مدللاً على ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل...» الحديث أخرجه مسلم. وقال فضيلته: إن كثرة الأعمال الصالحة فيها حفظ للعبد المسلم من الفتن وسلامة له من الوقوع فيها بل إن ذلك من وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم للصحابي ابن عباس رضي الله عنهما حينما أوصاه في الحديث، «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» وحفظ العبد ربه يستلزم طاعته في أوامره والقيام بالعبادات على وجهها كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وعمل ما تيسر من نوافل العبادات وسيكون نتيجة ذلك حفظ الله لعبده وحفظه في عقيدته وسلامته من الفتن والتحديات التي تواجهه. وقال الشيخ الرشيد في ختام تصريحه أسأل الله عزل وجل أن يقينا الفتن وشرورها ويصرفها عن بلادنا وشبابنا، وأمتنا، وأن يجعل بلادنا بلاد الأمن والأمان والاستقرار تحت ظل شريعة الإسلام السمحة والتي يرعاها ولاة الأمر في بلادنا ويطبقون أحكامها في جميع أمور الحياة امتثالاً للأمانة الملقاة على أعناقهم في إقامة شرع الله على هذه الأرض ونشر الإسلام والدعوة إلى الله في كل مكان. الفتنة أشد من القتل من جهته أكد الدكتور سليمان بن حمد العودة الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية «فرع القصيم» أنه ما من بلاء أشد من الفتنة في الدين، وقال: إن الفتنة أشد من القتل بنص القرآن، والفتنة سنة ربانية جارية في الأولين والآخرين ليتبين الصادقون من الكاذبين، قال تعالى:«ألم أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين»«العنكبوت 1 3». وأبان فضيلته أن الفتن التي يمكن أن يتعرض لها المسلم أو المسلمة أنواع فمنها الفتنة في الأهل والولد، ومنها الفتنة بالمال أو الجاه، ومنها الفتن بانتشار المنكرات وكثرة الدعاة على أبواب جهنم ومنها فتن الشهوات، وفتن الشبهات، واختلاط الحق بالباطل، وكثرة الاختلاف ، وغلبة الأهواء، وهناك فتنة الأحياء وفتنة الأموات، وفتنة المسيح الدجال إلى غير ذلك من أنواع الفتن. وتحدث الدكتور سليمان العودة عن المخرج من الفتن، وقال : إن أول هذه الوسائل المعينة على السلامة من الفتن هو الدعاء والتعوذ بالله من الفتن.. والله تعالى هو ملاذ المسلم في كل حال فكيف في أزمان الفتن؟ روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم وعذاب النار ومن شر فتنة القبر، وعذاب القبر، ومن فتنة النار وعذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال..» ، وفي الحديث الصحيح الآخر قال صلى الله عليه وسلم:«أعوذ بك من فتنة المحيا والممات» فعلينا أن نلجأ إلى الله في كل حين.. وكلما اشتدت الفتن زدنا في الضراعة والدعاء. وحذر فضيلته من السير في ركاب المنكر، والسلامة إنما تكون في الإنكار، روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا» «رواه مسلم، وأبو داود» قال النووي في شرحه للحديث «قوله: من عرف فقد برئ، معناه من عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه، قوله« ولكن من رضي وتابع» أي: ولكن العقوبة، والإثم على من رضي وتابع» «صحيح مسلم بشرح النووي». ودعا الدكتور سليمان بن حمد العودة إلى السير في ركاب جماعة المسلمين وإمامهم، وقال: فذلك مخرج من الفتن وقارب من قوارب النجاة بإذن الله.. عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يارسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم: ، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت يارسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» متفق عليه. كما أكد فضيلته أن المخرج من الفتن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يحرص المسلم على أن سيكون من الطائفة المنصورة فأولئك لا تضرهم الفتن حتى يلقوا ربهم وهو راضٍ عنهم وأولئك هم الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس أو يصلحون ما أفسد الناس، وأولئك قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفةً من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. التثبت من الأخبار! وفي نفس السياق نبه فضيلته على أهمية الركون إلى العلم والتثبت من الأخبار، وعدم الخوض بالباطل أو اعتبار القصص الواهية والشائعات أساساً للحكم والتقييم مشيراً إلى أن العلماء الربانيين أبعد الناس وقوعاً في الفتن يحفظهم الله بالعلم النافع يميز المرء بين الحق والباطل وسلطة الشيطان على العلماء أقل من سلطانه على العوام والجهلة فهو يتلاعب بهؤلاء وتسقط حيله عند عتبات العلم والعلماء وصدق الله حين يقول:«قل هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعلمون»، وقوله تعالى:«يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات». وأكد فضيلته أن التثبت من الأخبار من سيما العلماء، أما التخوض في الباطل واعتماد أخبار الفاسق، والاتكاء على القصص والحكايات الغريبة فذلك شأن الجهلة الذين يطيرون بأي خبر يسمعونه يقول ابن عمر رضي الله عنهما في انتشار القصص في زمان الفتن:«لم يكن يُقص في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، إنما كان القصص في زمن الفتنة». واستشهد فضيلته في هذا السياق بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن إتيان الدجال فقال:«من سمع بالدجال فلا يأته، فإن الرجل يسمع به ويقول: أنا أعرفه أنه الكذاب، ثم لا يلبث أن يذهب إليه فيتبعه». ويواصل فضيلته القول:«إن من وسائل النجاة في أزمان الفتن العبادة الحقه لله، موضحاً أن العبادة لله بشكل عام هدف الوجود من الحياة قال تعالى:«وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون»، وتشتد الحاجة للعبادة كلما اشتدت الفتن وتلاحقت في ذلك لأن الإنسان يأنس بالعبادة وينشرح صدره، ويطمأن قلبه، وبها يحرسه الله من وسوسة الشياطين وإغوائهم، وحين ينقطع القلب عن خالقه تستحوذ عليه الشياطين ويقع في أنواع الفتن.. والبيت الخرب غالباً مأوى الشياطين. وأضاف لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى العبادة وحث على المبادرة عليها في أوقات الفتن فقال «بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً.«حديث صحيح رواه أحمد»، كما بين عليه الصلاة والسلام قدر العبادة وقيمتها في أوقات الفتن فقال : «العبادة في الهرج كهجرة إلي» رواه مسلم وغيرة والهرج استحكام القتل بين المسلمين، وهو نوع من الفتن. وفرق فضيلته بين من يشتغلون أوقات الفتن بالقيل والقال تخطئة هذا وتصويب ذاك، أو بمجرد ذكر أنواع الفتن، وما بلي به الناس دون أن يكون هناك عمل صالح أو دعوة للإصلاح، وبين من يشتغلون بعبادة ربهم في حال خلواتهم ويعملون في الدعوة والإصلاح وتسكين الفتن في حال اجتماعهم بالناس. واسترسل قائلاً: إن الدعوة إلى الله وإلى سبيله قارب آخر من قوارب النجاة، فالدعاة إلى الله يحذرون من الوقوع في الفتن ويرشدون إلى سبل النجاة منها، وأول ما ينقذ الدعاة أنفسهم، فليس من الدعوة الحقة أن ينهي الدعاة غيرهم عن الفتن وهم واقعون فيها، وكم وقى الله من فتنةٍ بسبب جهود الدعاة وتوفيق الله لهم، وكم أحيا الله بالدعوة أشخاصاً كانوا غارقين في الفتن. وأكد أنه في سبيل النجاة من الفتن لا بد من تحرير مصطلح الفتنة ووضعه في موضعه الشرعي وكما جاءت به نصوص الكتاب والسنة وكما فهمه سلف الأمة.. ولا ينبغي أن يكون مصطلح الفتنة كلاً مباحاً لكل ناعق.. أو بضاعةً مزجاةً يطلقها الجهال كيف شاءوا وعلى من شاءوا.. أو متنفساً لأهل الأهواء يرمون بها من خالفهم ولو كان محقاً. وقال إن الاختلاط في مفهوم الفتنة قد يجعل من الحق فتنة، ويصور أهل الحق أصحاب فتنة، وبالعكس فقد يظهر الباطل بصورة الحق، وقد يلمع المنافق فيقال ما أطرفه وما أحسن منطقه، وإن كان رصيده من الإيمان قليلاً.. ومن الخبث والفجور كماً كبيراً.. والعالمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هم القادرون على ضبط مصطلح الفتنة وتحديد هوية أهل الفتن. وشدد فضيلته على أن الرفقة الصالحة معينة على تجاوز الأزمات والفتن، ولقد أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فيما أوحى:«واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً». «الكهف/ 28» وقال: وليس عبثاً أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك ألا تقي» رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح: صحيح بن أبي داوود 917/3 وهو القائل«المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» أحمد وأبو داوود 3/917 ولذا قال جماعة من السلف«أصحب من ينهضك حاله، ويدلل على الله مقاله». وأجمل فضيلته وسائل النجاة من الفتن بقوله إنها: التعوذ من الفتن بالدعاء، والحذر من الانتكاسة في الفتن، والحذر من السير في ركاب المنكرات والحرص على إنكارها، السير في ركاب جماعة المسلمين وإمامهم والحرص على أن يكون المسلم من الطائفة المنصورة، العلم والتثبيت وعدم اعتماد القصص والشائعات، ولزوم العبادة والإكثار من القربات، الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحرير مصطلح الفتنة وعدم الخلط بينه وبين الإيذاء في سبيل الله، واختبار الرفقة الصالحة والحذر من قرين السوء. الأسباب المنجية من الفتن أما الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية «فرع القصيم الدكتور عبدالعزيز محمد الحجيلان قال: إننا في عصر تلاطمت فيه الفتن، وادلهمت فيه الخطوب، ووقع كثير من المسلمين ضحية لليأس والحيرة، والضياع بسبب مايراه ويشاهده ويسمع ولكن ثمة حقيقة يجب أن تطرح في مثل هذه الظروف، وأن يسأل كل فرد نفسه، وتلك الحقيقة تتمثل في معرفة سنة الله الجارية، وإدراك أن ما أصابنا إنما هو من عند أنفسنا، وبسبب ذنوبنا، وما يعيشه كثير من المسلمين في حياتهم من بعد عن الله، ونسيان للآخرة، وانغماس في الملذات، وإقبال على الدنيا، الأمر الذي انتشر بسبب كثير من المعاصي والمنكرات، وترك الطاعات والواجبات، واشتدت الفتن. وأكد: إن المخرج من هذا كله لمن ينشد النجاة لنفسه ولأمته يكون بالفرار إلى الله، والاعتصام به والإنابة إليه كما أمر سبحانه في كتابه فقال:«ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين» ولفت فضيلته إلى أن الفرار إلى الله يكون باللجوء إليه سبحانه والمسارعة إلى مغفرته وجنانه والهرب من سخطه وعقوبته، كما قال ابن القيم مبيناً معنى الهجرة إلى الله وأنها تكون بالطلب والمحبة، والعبودية والتوكل، والإنابة والتسلم والتفويض والخوف والرجاء، والإقبال عليه، وصدق اللجأ والافتخار في كل نفس إليه، وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور«اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك» فالمستعاذ منه هو الذنوب وعقوباتها. وتناول فضيلته أهم الأسباب المنجية بإذن الله من الفتن ويتحقق بها اللجوء إلى الله ويساعد بعضها في سد باب الشبهات، وبعضها في سد باب الشهوات وهما أعظم أبواب الفتن، ورأس كل البلايا والمحن، وقال: إن أول تلك الأسباب وأهمها ما ذكره ابن القيم رحمه الله وهو الاعتصام بالله والتوكل عليه، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويعصمه ويدفع عنه قال الله تعالى:«يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة». والسبب الثاني، العلم بالشرع والفقه في الدين وتجريد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لأن العلم يكشف الشبهات ويبين الغي من الرشد، والحق من الباطل إذا صاحبه إخلاص وتقى يدفع بها طالب العلم الهدى ولقد كان السلف الصالح رحمهم الله يوصون طلابهم بطلب العلم، ومن الفقه في الدين والعلم بمقاصد الشرع تقدير ما يقال مما لا يقال للناس حسب عقولهم وأحوالهم والنوازل التي تحيط بهم. وواصل قائلاً: أما السبب الثالث لزوم التقوى والعمل الصالح، وقد بين الله سبحانه في كتابه أثر التقوى في تيسير الأمور والخروج من الأزمات والمضايق قال الله تعالى:«ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب»، كما قال تعالى:«ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً»، والنبي صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عباس ويقول له:«احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك» فالعمل الصالح وكثرة العبادة والصلة بالله وكثرة الذكر والاستغفار لها أثر عظيم في الوقاية من الفتن قبل وقوعها والنجاة فيها بعد نزولها، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم«بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل». أخرجه مسلم فالمبادرة تكون بالإسراع إلى الأعمال الصالحة والاهتمام بها، وذكر النووي رحمه الله الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كظلام الليل. وأبان فضيلته أن السبب الرابع هو الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، وذلك أن باب الشهوات التي تدخل من الفتن إلى القلب إنما ينشأ من الرغبة في الدنيا والتعلق بها، ونسيان الآخرة وأحوالها وما أعد الله فيها من النعيم السرمدي أو العذاب الأبدي إلى دار الخلود، وكلما قوي هذا الجانب في قلب العبد كان أبعد من الشهوات، وقد بين ابن القيم رحمه الله أن الرغبة في الآخرة لا تتم إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين: أولهما: النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من القصص وآخر ذلك الزوال والانقطاع، فطالب الدنيا لا ينفك من هم قبل حصولها، وهم في حال الظفر بها، وغم وحزن بعد فواتها، فهذا أحد النظرين، والنظر الثاني: في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولابد، ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينها وبين ماهاهنا فهي كما قال سبحانه «والآخرة خير وأبقى» ، فهي خيرات دائمة كاملة، وهذه خيالات ناقصة منقطعة فإذا تم له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره، وزهد فيما يقتضي الزهد فيه فنسأله سبحانه أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن يرزقنا الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله. وأفاد فضيلته: السبب الخامس من الأسباب التي يعصم بها المسلم من الفتن ويحتمي بها من الشرور: لزوم الجماعة ونبذ الفرقة، يقول الله تعالى:«واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، ويقول:«ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم»، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال خطبنا عمر بحبوحة فقال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب»، فلزوم الجماعة ونبذ الفرقة من أكبر المنجيات والعواصم من الفتن وأكد فضيلته أن وما نمت بذور الفتن إلا في أرض الفرقة والخلاف، ويكون لزوم الجماعة بالاجتماع على دين الله عقيدة ومنهجاً وعملاً وسلوكاً على ماكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أمور الاعتقاد وأصول الدين وأمور العمل، وتكون بالاجتماع على الكتاب والسنة والعمل بهما، وتكون أيضاً بلزوم إمام المسلمين وبذل الحقوق الواجبة له، وعدم نكث البيعة فضلاً عن الخروج عليه، فكل داعية بدعه أو خارج على الجماعة فهو منابذ لها واقع في الفتن. وقال: السبب السادس الرفق والتأني والحلم فإن من أخطر الأمور على المسلم عجلته وتسرعه، وربما يشارك في الشائعات ونقل الأمور من دون تثبيت ثم يندم على تسرعه في أمر كان له فيه أناة، وقد ذم الله العجلة في القرآن، فقال: «ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأشيخ قيس:«إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، وإذا كان الحلم والأناة محمودة في كل آن فإنها في أيام الفتن واضطراب الأقوال تكون محمودة أكثر، والحاجة إليها أشد، ومما يعين على التؤدة الصدور في الأمور على فتوى أهل العلم ومشورتهم. وأشار في هذا الصدد إلى أن مما يدخل في العجلة تطبيق أحاديث الفتن على الواقع الذي يعيش فيه، ويتصدر لذلك أناس سمعوا بهذه الأحاديث وقرؤوها ثم يقولون هذا وقتها أو هو ما حصل في كذا أو كذا، وهذا ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وإنما منهجهم أن يذكروا الفتن وأحاديثها محذرين منها، مباعدين للمسلمين عن غشيانها ولأجل أن لا يحصل بالمسلمين فتنة، لأجل أن يعتقدوا صحة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. وسأل الشيخ الدكتور عبدالعزيز الحجيلان في ختام حديثه الله أن يقينا شر البدع والفتن، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه.