هذه الجملة من الحكم الخالدة التي أثبتت أحداث التاريخ حكمتها وصوابها في الأحداث السابقة.. وسؤال يخطر على البال وهو هل تتجزأ العدالة؟ ذلك بأن يكون الإنسان عادلاً في محيط الأقربين.. وغير ذلك في المحيطات الأخرى؟ إنه سؤال نترك الاجابة عليه لذوي العقول المتزنة. هناك مبادىء عامة في التعامل بين الدول فيما بينها وقد تكون بين الأفراد ومنها: 1 - من ليس معنا فهو ضدنا. 2 - الذي مع عدونا هو عدو لنا. 3 - الذي ليس مع عدونا ليس عدواً لنا. فأي من هذه المبادىء أحكم وأسلم؟. أنا لست خبيراً في السياسة لأن السياسة بحر متلاطم الأمواج فيها الكر والفر.. والخداع والاسراع.. وفيها التظاهر بالضعف مع القوة.. والتظاهر بالقوة مع الضعف.. ولذلك فأنا أترك صواب الاختيار لواحد من هذه المبادئ الثلاثة لفطنة القارئ الكريم وعمق تفكيره. ولا ننسى في هذه المناسبة مثلاً من الأمثال الشعبية التي هي وليدة التجربة والمعاناة وهذا المثل هو قولهم (إذا عاداك عجوزين فصادق إحداهن). والمعنى أن قوتين ضعيفتين تكونان قوة قد يكون النصر حليفها.. وطريق الحزم أن نفرق بينهما.. فلا يستهين بالقوة الضعيفة إذا اجتمعت إلا مغرور.. وقد قال الشاعر القديم: ولا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب فقد هدّ قدما عرش بلقيس هدهد وخرب فأر في الورى سد مأرب والإرهاب هو بلاء هذا العصر.. قد يكون على مستوى الأفراد وقد يكون على مستوى الدول.. ويختلف في تفسيره أو تعريفه بين الأقوياء والضعفاء فهو في عرف الأقوياء إخلال بالأمن في نطاق معين.. وهو في عرف الأفراد دفاع ضد القهر.. ضد الحرمان.. ضد العدو والتسلط. ويرى بعض المفكرين أن مكافحة الإرهاب بالحرب على مستوى الدول قد يزيد النار اشتعالاً والخرق اتساعاً.. والعلاج الصحيح هو أن يجتمع فريق من علماء النفس والاجتماع والتاريخ فيبحثون عن دوافعه وأسبابه ليعالجوها بالعلاج الشافي الذي يقضي على جرثومتها.. فالذي يضحي بنفسه لا بد أن يكون مظلوماً أو على الأقل يحس أنه مظلوم.. فإذا زال هذا الإحساس عنه بمختلف الوسائل الناجحة عاش الناس في أمن واطمئنان والله المستعان. ولست أرى أي جهة أولى بالقيام بهذه المهمة من هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن الذي يجب أن يتكاتفا على هذه المهمة بعد تفويض الدول الكبرى لها بذلك، وبذلك يحصر الشد في أضيق نطاق ونتفادى بهذا حروباً مدمرة تهلك الحرث والنسل وتخلف وراءها من الآثار ما قد يغير وجه البسيطة. وما أجمل ديننا الحنيف وأحكم أقوال نبينا الكريم عليه السلام الذي روي عنه أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).. قال أحد الصحابة للرسول عليه السلام (كيف أنصره ظالماً؟ قال تمنعه من الظلم). ما أحلاه وأعدله وأجمله من مبدأ إنساني كريم. والأخ هنا قد يكون أخاً النسب وقد يكون أخاك في الدين وقد ينسحب على الأخوة في الإنسانية.. فالظلم محرم على جميع البشر كما أن العدالة مطلوبة أيضاً للتعامل مع بني آدم ومع الحيوانات.. ومع الجماد أيضاً.. وقد قال الشاعر في هذا المعنى بيتا هو: يا باري القوس بريا ليس يحسنه لا تثلم القوس أعطِ القوس باريها أي إنك لا تحسن صناعة الأقواس فتجعلها مشوّهة أو غير مفيدة. وقد ورد في الحديث القدسي قول الله تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً). وفتنة هذه التفجيرات كم راح ضحيتها من آلاف الأبرياء ولا يدري إلا الله كم سيذهب من ضحايا أخذ الثأر من ملايين الضحايا المنكوبين.. الذين سيرفعون أصواتهم وأيديهم إلى السماء يدعون على الظالمين.. ومن المعروف أن دعوة المظلوم مفتوحة لها السموات وترتفع إلى السماء ويقول الله لها (لأنصرنك ولو بعد حين) نعوذ بالله من الظلم والظالمين.. ومن عباده المسلطين، والحمد لله ربّ العالمين. عبد الكريم الجهيمان - من مقالات الفقيد نشر في الجزيرة يوم الخميس 17رجب 1422