الأمير سلطان ليس بحاجة إلى شهادتي ولا إلى ثنائي، ولكن علينا واجباً، هو أن نشكر من أسدى إلينا معروفاً؛ ففي الحديث «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». ولمَّا كنت أعمل تحت مظلة سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كان يرسلني بين حين وآخر في مهام إلى الأمير سلطان، والغالب على المهام أنها رسائل تتعلق بحاجات الناس من ضعفاء وأرامل ومرضى، وفي أول مرة كان ذلك في عام 1399ه، حيث أرسلني، فلمَّا وصلت مبنى وزارة الدفاع والطيران قلت في نفسي لا أدري هل أدخل عليه أم أنَّ الحجَّاب يمنعوني، فلمَّا أقبلت على البوابة سألوني، فقلت مرسَل من قِبل سماحة الشيخ عبدالعزيز، فلمَّا ذكرت سماحة الشيخ انفتحت لي قلوبهم قبل أبوابهم، ولكن قبل دخولي فوجئت بمجموعة من الناس عن يمين وعن شمال معوقين ومرضى وفقراء سعوديين وغير سعوديين. فلمَّا دخلت وسلمت عليه وجدته واقفاً، فاستحييت أن أجلس فقال لي اجلس، فجلست وأنا خجل، ولأننا - ولله الحمد - تأدبنا بآداب الإسلام وقفت ثانية فقال لي اجلس بمخاطبة الوالد لولده، فوجدته يدير أعماله بحماس، فالهواتف تعمل، ورجاله المخلصون يعملون ويتحركون على قدم وساق، فكنت أستمع وهو يسأل عن معاملات الناس، بمن فيهم أصحاب الحاجات، فخرج وخرجت خلفه، فوقف يستمع لكل هؤلاء الذين في الخارج، وكلهم يأمر بقضاء حاجاتهم وتحويل المرضى إلى العلاج، فعدت إلى سماحة الشيخ بانطباع لا يمكن أن أنساه، وكلها سنوات ثم زار الأحساء، وأنا قد انتقلت إليها، وكان آنذاك حين احتلال العراق للكويت، وخرجنا نستقبله في المطار، ثم اجتمعت به مع بعض الإخوة الشباب، فكان يجاذبنا أطراف الحديث بكل تواضع وأريحية. ثم بعدها بسنوات اتصل بي شيخنا الجليل الشيخ عبدالعزيز بن يحيى، رئيس محاكم الأحساء سابقاً، وكنت جاره، فدعاني وقال سوف يزورني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بعد صلاة العصر، وهي زيارة مختصرة، لم أدع غيرك، وفعلاً حضرت واستقبلناه - طيَّب الله ثراه -، وكان الحديث عن النجوم والطوالع ومواسم المطر والزرع، وإذا به يمتلك ناصية الحديث، ويتكلم عن علم الفلك والفروقات والمصطلحات النجدية عن غيرها حديث رجل متخصص. أقول: ليس هذا بغريب عليه - رحمه الله - فالذي أعرفه كذلك أنه عالم بالشريعة وأحكامها؛ لذلك فإن مجالسه لا تخلو من عالم مرافق ونديم له، فهذه الشخصية الفذة تعمل الخير بخفاء، فكم من بيت أدخل السرور عليه، وهو الذي لا يتحدث عن أعماله ولا يرضى أن يتكلم عنها أحد، وما ذكرته الناس يعلمون أكثر منه؛ فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا وإياه بعد عمر طويل وعمل صالح. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل