الذين يتربون في مدارس الإعداد الحزبي هم أكثر قدرة من غيرهم على المناورات السياسية والتلاعب بالكلمات والمصطلحات وتطويعها لخدمة فكرهم السياسي. والذين يديرون الحكم في سوريا هم أبناء المدرسة الحزبية البعثية التي لا يجاريها في إعداد البعثي الملتزم إلا الشيوعيون في عهد لينين والإخوان المسلمون أيام حسن البنا. وقد حرص البعث السوري على تلقين السوريين «عقيدة البعث» على قاعدة «الكتاب والبندقية»، والطفل السوري يرضع تعاليم البعث من خلال منظمات الطلائع إلى اتحادات الطلبة في الجامعات. بصفة عامة خريجو مدارس الإعداد الحزبي وهم من يمسكون بمقاليد السلطة في سوريا لهم قدرة فائقة على الجدل الفكري والسياسي، يتحدثون الساعات دون أن يتخلوا عن أدبياتهم، وحتى التأثير الطائفي وحصر القرار السياسي في دائرة مغلقة من الحزبيين العلويين، يظل غير معلن ولا يتداول إلا ضمن دائرة ضيقة وضيقة جداً، وهم يبطنون ذلك حتى على رفاقهم الحزبيين من طائفة الأغلبية الذين أعماهم التزامهم الحزبي عن توظيف الحزب وتنظيماته لخدمة طائفة الأقلية، ولهذا فإن حوارات ولقاءات وفد جامعة الدول العربية سيغلب عليها الحوار الذي لا يجدي، ومع أن الوفد الوزاري العربي قد وضع خارطة طريق وبنود واضحة لانتشال سوريا من الوضع المأسوي الذي آلت إليه بسبب تغليب النظام الحل الأمني على الحل السياسي، إلا أن الجانب السوري أدخل اللقاءات في مسارات من الجدل السياسي الذي لا طائل منه، وهدف النظام من وراء ذلك كسب الوقت ظناً منه بأن هناك فائدة ترجى من تصعيد عمليات القمع وتكثيف القتل الذي لم يعد قاصراً على المتظاهرين بل شمل الآن اغتيال الناشطين السياسيين والمعارضين، واختطاف أبنائهم واعتقال حتى الذين لا يشاركون في المظاهرات، إنما لم يخرجوا في تظاهرات تأييد للنظام. ما تعلمه وليد المعلم وبثينة شعبان وغيرهما من أعضاء الوفد السوري في مدارس الإعداد الحزبي، وجرَّ جلسات الحوار مع وفد الجامعة العربية إلى جدلية لا تنتهي، وتوجيه اتهامات لرئيس الوفد وبعض أعضائه هدفه إطالة مدة التفاوض فيما تواصل آلة القتل عملها لحصد آلاف السوريين الذين أخذت أعداد قتلاهم ترتفع منذ بدأت جامعة الدول العربية التحرك.