سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مشاركة المرأة في مجلس الشورى وعضوية المجالس البلدية اعتباراً من الدورة القادمة أعلن رفضه تهميش دور المرأة في المجتمع.. من داخل قبة الشورى.. خادم الحرمين:
رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- أمس اللقاء السنوي للسنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى. وكان في استقبال الملك المفدى لدى وصوله إلى مقر المجلس صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بالنيابة ومعالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ. ثم عزف السلام الملكي. إثر ذلك تشرف أصحاب المعالي نائب رئيس المجلس ومساعد الرئيس والأمين العام بالسلام على خادم الحرمين الشريفين. بعد ذلك صافح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ومعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد وعدد من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ. وبعد أن أخذ خادم الحرمين الشريفين مكانه في منصة القاعة الرئيسة للمجلس بدأ الحفل الخطابي المعد بهذه المناسبة بتلاوة آيات من القرآن الكريم. بعد ذلك ألقى معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ الكلمة التالية: الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصحاب السمو الأمراء أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة أيها الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ومرحباً بكم في رحاب مجلس الشورى. خادم الحرمين الشريفين: إنه ليوم مبارك وأنتم تتفضلون بإلقاء خطابكم الكريم للسنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، وكم هي كثيرة أوقات الفرح في هذا الوطن الذي منحتموه -أيدكم الله- حبكم ووفاءكم، وها نحن اليوم نزداد فرحاً وتألقاً بإطلالتكم التي ينتظرها المجلس وشعبكم الوفي للاستماع إلى توجيهاتكم السديدة. وها هي المملكة العربية السعودية ترفل بوافر من النعم التي منّ الله بها على هذه البلاد المباركة، ويوماً بعد يوم يجد المواطن في هذه البلاد عطاءات وإنجازات جديدة يصعب قياسها ويتعذر حصرها، فكانت إنجازاتكم لا تحد بحدود ولا ترتبط بزمن، واختصرتم المسافات من أجل رفعة المواطن وعلو شأنه وطيب عيشه، وشملت توجيهاتكم وقراراتكم خلال العام المنصرم شؤون المواطنين، واستهدفت تحسين مستوى المعيشة ومواجهة ظروف الحياة والانسجام مع متطلباتها المتزايدة، وركزت هذه القرارات على موضوعات تنموية ومعيشية تصب في مصلحة المواطن وتسهم في دعم مسيرة البناء والإصلاح حيث شملت مجالات الإسكان والصحة والأمن والخدمة العسكرية وتحسين مستوى الدخل والضمان الاجتماعي والبطالة والتعليم والابتعاث وتعزيز الرقابة ومكافحة الفساد ودعم الإفتاء. وامتدت إلى تعزيز مكانة العلماء ودعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومكاتب الدعوة والإرشاد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وترميم المساجد ودعم الجمعيات المهنية والثقافة والأدب والرياضة إضافة إلى العفو عن سجناء الحق العام والتسديد عن المطالبين بحقوق مالية. وصدر أمركم الكريم بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء صيانة للشريعة وحفظاً لحمى الدين وتعظيماً له من الافتئات عليه وقطعاً لكل دواعي الفتنة والتشويش على الأحكام، وعلى صعيد رسالتكم تجاه المسلمين وخدمتكم للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والحجاج والمعتمرين والزائرين وضعتم في شهر رمضان الماضي حجر الأساس لمشروع توسعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحرم المكي الشريف تلك التوسعة التي تعد أضخم توسعة للمسجد الحرام في تاريخه. وأطلقتم عدداً من المشروعات الكبيرة التي تيسّر للحجاج أداء نسكهم، فكانت هذه المنجزات الكبرى؛ وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين ومنشأة الجمرات الحديثة وقطار المشاعر، وألحقتم بذلك توجيهكم الكريم بتوسعة المطاف وإقرار مشروعه الرائد الهادف إلى زيادة طاقته الاستيعابية من الطائفين، وقبل ذلك مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم، لتُسجّل هذه الإنجازات الكبرى في سجل عطائكم الزاخر خدمة للإسلام والمسلمين ورعاية للمقدسات الإسلامية. وفي المجال العلمي والثقافي أصدرتم -حفظكم الله- قراركم الكريم بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة عملاً بسياسة تنويع مصادر الطاقة والاستفادة من التقنيات المتقدمة في هذا الخصوص، كما وجهتم بإنشاء معهد الملك عبدالله لتقنية النانو بجامعة الملك سعود، وافتتحتم المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات بالرياض التي تعد صرحاً متميزاً وفريداً في مجال التعليم العالي، وأمرتم بإطلاق جائزة باسم «جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للثقافة « «وجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للتراث»، ووافقتم -أيدكم الله- على إنشاء كرسي يحمل اسمكم للدراسات والأبحاث في مجال حوار الحضارات في جامعة تورنتو بكندا لتؤكدوا على دعواتكم الفريدة والمتواصلة للتعايش والحوار والسلام. وفي خضم ما تشهده الساحة العربية من أحداث متسارعة انتهجتم رؤية سديدة وموفقة تجاه هذه الأحداث وأكدتم على أهمية الأمن والاستقرار واجتماع الكلمة ووحدة الصف وكان موقفكم مع أشقائكم في دول الخليج تجاه ما تعرضت له مملكة البحرين الشقيقة موقفاً عظيماً ونبيلاً يعبر عن مدى التلاحم والترابط والمصير الواحد الذي يجمع أبناء الخليج ويؤكد الوقوف صفاً واحداً ضد كل ما يراد لدوله، ثم جاء الإعلان عن المبادرة الخليجية تجاه الأزمة السياسية في اليمن الشقيق لتنم عن عظم الإحساس بالمسؤولية تجاه الأشقاء والرغبة الصادقة في الخروج من الأزمة بسلام واستقرار للشعب اليمني الشقيق، وترجم خطابكم الأخوي الصادق إلى الأشقاء في سوريا نبل مواقفكم حينما أعلنتم وقوف المملكة تجاه مسؤوليتها التاريخية وطالبتم بوقف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل والاختيار بين الحكمة أو الانجراف إلى الفوضى والضياع. خادم الحرمين الشريفين: إن مسؤولي مجلس الشورى وأعضاءه ليشرفون بأداء المهمة الجليلة والدور الحيوي الذي يختص به المجلس، ويعلمون عظم حجمه، ويدركون مسؤوليته، وقد حظيت السنة الشورية الماضية - وهي السنة الثانية من الدورة الخامسة للمجلس- بكثير من الأعمال والمناقشات والتوصيات والقرارات. فخلال ثمان وسبعين (78) جلسة عقدها المجلس في عامه المنصرم أصدر عدداً من القرارات حيال الموضوعات التي درسها وناقشها سواءٌ ما يتعلق منها بمشروعات الأنظمة واللوائح أو تقارير الأداء أو الاتفاقيات والمعاهدات، ومن هذه الموضوعات التي تمت دراستها: 1- مشروع نظام إيرادات الدولة. 2- خطة التنمية التاسعة. 3- مشروع الإستراتيجية الوطنية للنقل. 4- مشروع نظام عقوبات إفشاء الوثائق السرية. 5- مشروع نظام السياحة. 6- مشروع نظام حماية الطفل. 7- مشروع المركز الوطني لتقويم التعليم العام. 8- مشروع نظام العمل التطوعي. 9- الإستراتيجية الوطنية لتنمية الحرف والصناعات اليدوية وخطتها التنفيذية. فيما درس المجلس تقارير الأداء لأجهزة الدولة المختلفة المحالة إليه وأصدر حيالها واحداً وخمسين (51) قراراً تضمنت ملاحظاته ومرئياته حيال هذه التقارير تحقيقاً لغايات تلك الأجهزة وسعياً لتطوير أدائها. كما أصدر المجلس ستة وستين (66) قراراً تتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات بين المملكة والدول والمنظمات الدولية في المجالات المختلفة. ويحرص مجلس الشورى على إيجاد تواصل فعال وبناء مع أجهزة الدولة من خلال دعوته مسؤولي الأجهزة المختلفة للحضور في الجلسات العامة أو اجتماعات لجانه للاستماع إلى وجهات نظرهم وللوقوف على أداء تلك الأجهزة وما قد يعيق عملها من عقبات أو صعوبات، ومن أجل اطلاعهم على ما يبديه الأعضاء من ملاحظات ومقترحات حيال التقارير والموضوعات، حيث حضر إلى المجلس عدد من أصحاب السمو والمعالي الوزراء: صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية ومعالي الأستاذ محمد بن علي الفايز وزير الخدمة المدنية ومعالي الأستاذ أسامة بن جعفر فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة. هذا إلى جانب ما يمارسه المجلس بموجب اختصاصاته ومهامه في مجال الدبلوماسية البرلمانية المتمثل في مشاركاته في المؤتمرات والاتحادات البرلمانية المختلفة للتعبير عن واقع المملكة وسياساتها وجهودها تجاه مختلف القضايا، وقد أسهمت تلك المشاركة في إبراز المكانة المرموقة التي تحظى بها المملكة على الأصعدة والمستويات كافة، واستطاع المجلس بفضل الله تعالى أن يسجل حضوراً لافتاً في تلك الأنشطة البرلمانية. وتعزيزاً لهذا الدور كان هناك زيارات من مسئولي مجلس الشورى ولجان الصداقة فيه لعدد من المجالس واللجان النظيرة في الدول الشقيقة والصديقة أثمرت عن مزيد من التواصل وعززت من فرص تنمية العلاقات والروابط، وفي الإطار ذاته استضاف المجلس وفوداً سياسية وبرلمانية مختلفة اطلعت على ما تعيشه المملكة من تطور وما تم من منجزات في جميع الأصعدة, ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى مشاركة المجلس في الاجتماع التشاوري الثاني لرؤساء برلمانات مجموعة الدول العشرين الذي عقد في العاصمة الكورية سيئول يوم الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة من العام الجاري. تلك المشاركة التي ترجمت المكانة الاقتصادية المتميزة للمملكة وما تمثله من ركيزة مهمة في حفظ الاستقرار الاقتصادي العالمي، وقد صدرت موافقتكم الكريمة على قيام المجلس بتوجيه الدعوة لعقد الاجتماع التشاوري الثالث لرؤساء برلمانات مجموعة الدول العشرين في العام القادم -بمشيئة الله تعالى- في المملكة، وحظيت تلك الدعوة بالموافقة بالإجماع من قبل المجتمعين، ومن بين هؤلاء المجتمعين وفد الجمهورية الفرنسية التي كانت بلاده قد تقدمت بطلب استضافة الاجتماع في فرنسا، وقد ترجمت الموافقة على استضافة الاجتماع في المملكة دون سائر الدول الأخرى في مجموعة العشرين التي حضرت اللقاء الثاني في كوريا التقدير الكبير لمقامكم الكريم وإدراك دوركم الرائد تجاه السلم العالمي وما تبذلونه من جهود للحيلولة دون دخول دول العالم في ظروف اقتصادية صعبة. خادم الحرمين الشريفين: في إطار اهتمامكم -حفظكم الله- بكل منطقة في هذه البلاد الذي هو عنوان نهجكم، ووفقاً لتوجيهاتكم السامية الكريمة فقد بدأ مجلس الشورى وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بفتح قناة تواصل بين مجلس الشورى ومجالس المناطق إيماناً بالدور التكاملي والحيوي الذي يمكن أن يصنعه هذا التواصل من خلال تلمس حاجات المناطق ومتطلباتها وإيجاد تعاون بناء يسهم في الرقي بكل رقعة من هذا الوطن الكريم، وتعزيزاً لأهمية هذا التعاون فقد أنشأ المجلس لهذا الغرض إدارة تعنى بذلك تحت مسمى «إدارة شؤون مجالس المناطق»، واحتضن مجلس الشورى اللقاء الأول بين أعضاء مجالس المناطق ورؤساء اللجان المتخصصة في مجلس الشورى الذي عقد بتاريخ العشرين من شهر صفر من هذا العام وذلك كبداية للقاءات عديدة سيكون لها بإذن الله نتائج طيبة تحقق تطلعاتكم. وفي إطار دور مجلس الشورى، وحرصاً على التواصل مع المواطنين والوقوف على تطلعاتهم واقتراحاتهم وآرائهم، فقد أنشأ المجلس لجنة متخصصة تسمى «لجنة حقوق الإنسان والعرائض» تجد الاقتراحات والآراء في هذه اللجنة دراسة ومناقشة واهتماماً وصولاً إلى الرأي الأصوب والأكمل، وتعقد هذه اللجنة اجتماعات متتابعة يخصص بعضها للقاء بالمواطنين وقد حضرت أحد اجتماعاتها حيث استمعت عن قرب إلى ما لديهم، كما أنشأ المجلس إدارة خاصة للتواصل مع المواطنين تعنى برصد ومتابعة مطالب المواطنين واقتراحاتهم وتحقيق بعد آخر من التواصل معهم وملامسة همومهم وتطلعاتهم. ولقد برهن شعبكم على صدق ولائه ومحبته لمليكه ووطنه فأظهر مدى اللحمة والترابط بينه وبين قيادته فأبهر العالم بتلكم العلاقة الفريدة التي مبناها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانكفأ الأعداء ومروجو الفتنة خائبين خاسرين، فالحمد لله أولاً وآخراً على تلكم النعمة. وفي الختام اسمحوا لي يا خادم الحرمين الشريفين أن أقدم الشكر لزملائي مسئولي المجلس وأعضائه ومنسوبيه على ما نلمسه من استشعار للمسؤولية واستنفار للجهود خدمة لهذه البلاد وتحقيقاً لتطلعاتكم الكريمة, مكرراً الشكر لمقامكم الكريم ولسمو ولي عهدكم الأمين الذي أسأل الله أن يعيده إلينا وهو ينعم بالصحة والعافية ولسمو النائب الثاني على ما يحظى به مجلس الشورى من اهتمام ورعاية، كما أشكر أصحاب المعالي الوزراء ورؤساء الأجهزة على تعاونهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في الخطى، وأن يديم على هذا الوطن وقادته وشعبه نعمة الأمن والأمان ومسيرة الخير والبناء، إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ثم ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- الكلمة التالية: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يُسعدني أن ألتقي بكم في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، سائلاً الحق تعالى أن يوفقكم في أعمالكم. أيها الأخوة والأخوات شعب المملكة العربية السعودية: إن كفاح والد الجميع الملك عبدالعزيز مع أجدادكم -يرحمهم الله- أثمر وحدة القلوب، والأرض، والمصير الواحد، واليوم يفرض علينا هذا القدر أن نصون هذا الميراث، وأن لا نقف عنده بل نزيد عليه تطويراً يتفق مع قيمنا الإسلامية والأخلاقية. نعم... هي الأمانة والمسؤولية تجاه ديننا، ومصلحة وطننا، وإنسانه، وأن لا نتوقف عند عقبات العصر، بل نشد من عزائمنا، صبراً، وعملاً، وقبل ذلك توكلاً على الله -جلّ جلاله- لمواجهتها. إن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب مهم، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين. يعلم الجميع بأن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي، مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي، والمشورة، منذ عهد النبوة، دليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مروراً بعهد الصحابة، والتابعين، إلى يومنا هذا. ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه، وأيدوه، فقد قررنا التالي: أولاً: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية. ثانياً: اعتباراً من الدورة القادمة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف. من حقكم علينا -أيها الإخوة والأخوات- أن نسعى لتحقيق كل أمر فيه عزتكم وكرامتكم ومصلحتكم.. ومن حقنا عليكم الرأي والمشورة، وفق ضوابط الشرع، وثوابت الدين، ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر، وعليه أن يتحمل مسؤولية تلك التصرفات. هذا وأسأل الله لنا جميعاً العون والعزة والتمكين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- التي وجهها لأعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى.. الحمد لله الذي أثنى على عباده المؤمنين فقال: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: أيها الأخوة أعضاء مجلس الشورى السلام عيكم ورحمة الله وبركاته: بسم الله، وعلى بركته نفتتح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى سائلا الله العلي القدير أن يبارك أعمالنا وجهودنا إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. أيها الأخوة الكرام: يسرني في هذا اللقاء السنوي الذي يجمعني بهذه النخبة الطيبة من أبناء الوطن أن استعرض معكم مسيرة عام كامل، سعت فيه الدولة لتحقيق أهدافها وطموحاتها من أجل خدمة المواطن ورفاهيته. ويأتي لقاؤنا بكم متزامناً مع مناسبة اليوم الوطني الحادي والثمانين للمملكة العربية السعودية، الذي رسخ لنا جميعاً عظمة الانجاز الذي تحقق ولله الحمد على يدي مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود رحمه الله، وسار على نهجه ومسيرته من بعده أبناؤه الملوك رحمهم الله جميعاً. وإذ نهنئ شعبنا الكريم بهذه الذكرى التي نستلهم منها الدروس والعبر، فإننا نؤكد إصرارنا على المضي في تذليل جميع الصعاب وتسخير الجهود والأخذ بأسباب الرقي لتحقيق التطور في جميع أرجاء الوطن وفي شتى المجالات. وفيما يموج العالم من حولنا بأحداث وتداعيات ومتغيرات تواصل بلادكم مسيرتها التطويرية وتنعم بالأمن والاستقرار في ظل وحدة وطنية تعكس ولله الحمد وبجلاء علاقة التلاحم والوفاء ما بين قادة هذه البلاد وشعبها الوفي النبيل. وكنا قد أصدرنا بعد عودتنا من رحلتنا، عدة قرارات شملت قطاعات متعددة وشرائح متنوعة، نصبو من خلالها تخفيفاً للأعباء وتوفيرا لأسباب الحياة الكريمة المعاشة لكل مواطن ومواطنة، حرصا منّا على تعزيز العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتلبية لاحتياجات ومتطلبات شعبنا لينعم بحاضر كريم ويطمئن إلى مستقبل آمن لأجياله القادمة بإذن الله، ومن هذا المنبر أقول لكل الوزراء ومسؤولي الجهات الحكومية كافة، لقد اعتمدت الدولة مشاريعها الجبارة ولم تتوان في رصد المليارات لتحقيق رفاهية المواطن، والآن يحتم عليكم دوركم من المسؤولية والأمانة تجاه دينكم وإخوتكم شعب هذا الوطن الأبي أن لا يتخاذل أحدكم عن الإسراع في تحقيق ما اعتمد، ولن نقبل إطلاقاً أن يكون هناك تهاون من أحدكم بأي حال من الأحوال، ولن نقبل الأعذار مهاما كانت. عام مضى من العمل المتواصل على الصعيدين الداخلي والخارجي نحاول من خلاله تقويم ما تم من إنجازات وما واجهناه من تحديات، وأن ننظر بعين التفاؤل لما نصبو إلى عمله مستقبلاً. نبراسُنا في الطريق عقيدتنا السمحة، ثم جهود أبناء الوطن المخلصين الذين حملوا الأمانة على أعتاقهم بالحفاظ على هذا الكيان الشامخ بأمنه واستقراره وسلامة قاطنيه، مستشعرين بأهمية الانخراط في تطوير جميع مرافق الدولة لرفع كفاءتها. ورغم ما تم من انجازات، فإننا نراها اقل من طموحاتنا، لأننا نطمع بالمزيد بما يعود بالخير الوفير على شعبنا. وبما أننا في عالم متغير، فإننا عازمون -بعون الله- على الاستمرار في عملية التطوير، وتحرير الاقتصاد، ورفع كفاءة العمل الإداري، والعمل بسياسات متوازنة لمستقبل مشرق بإذن الله، وإذ كنا قد حصدنا ما غرسه الآباء والأجداد، فان مسؤوليتنا تتعاظم، فالكم ليس مهماً بقدر أهمية نوعية المحصول ليجني الأبناء والأحفاد الفائدة القصوى منه. أيها الأخوة الكرام: إن استقرار الوطن ووحدته هما صمام الأمان -بعد الله- ولا نسمح بأي حال من الأحوال ما يشكل تهديداً للوحدة الوطنية وأمن المجتمع. فإحياء النعرة القبلية واللعب على أوتار الصراع المذهبي، فضلاً عن تصنيف فئات المجتمع وإطلاق نعوت ومسميات ما انزل الله بها من سلطان، ناهيك عن استعلاء فئة على فئة أخرى في المجتمع، كلها أمور تناقض سماحة الإسلام وروحه ومضامينه. إن التمسك بالوحدة الوطنية وتعزيز مضامينها أمر له ضرورة وأولوية، وعلى كل منا أن يضعه نصب عينيه، مؤملاً أن يكون ضمن محور اهتمامات وطروحات مجلسكم الموقر. كما أن استمرار الحوار الوطني كأسلوب للحياة ومنهج للتعامل مع كافة القضايا، وتوسيع المشاركة بين جميع مكونات المجتمع السعودي أمر في غاية الأهمية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، ومعالجة القضايا المحلية، وإيجاد قناة للتعبير المسؤول، وهي الأهداف التي يستند عليها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي كنا قد دعينا لإنشائه منذ بضع سنوات، لقناعتنا بأهميته كمظلة تسعى لتوفير المناخ الملائم للحوار الوطني. لقد كان أمن الوطن، من أُولى الواجبات التي تشرّفت بأدائها الجهات الأمنية التي أثبتت -ولله الحمد- قدرتها على مواجهة فلول الإرهاب، وهي ولله الحمد عازمة على تحقيق المزيد من النجاحات في ظل قدرة الكفاءات العلمية والعملية، القيادية منها والفردية التي يتمتع بها منسوبوها للحفاظ على مكتسبات التنمية. وقد أثبتت التجارب والمواقف أن المواطن هو رجل الأمن الأول، وشريكٌ رئيس في لوحة الإنجاز التي سطرتها الأجهزة الأمنية في دحض الدعاوى الباطلة، والآراء الشاذة، وإحباط المخططات الإرهابية التي وضعتها الفئة الضالة رغبة منها في استهداف أمن البلاد ومقدراته، والتغرير بأبنائه مرتهنة لأسلوب الانتقائية وتوظيف النص والتفسيرات البشرية الخاطئة المتطرفة في كل ما يدعم توجهاتها، وديننا الحنيف براء من كل ذلك، فهو دين رحمة وتسامح وصفح. وفضلاً عن أهمية الأمن الوطني، فإن هناك الأمن المائي الذي لا يقل أهمية، ويُعدُّ أحد الأهداف الإستراتيجية لخطط التنمية في المملكة، والداعمة له من خلال التوسّع في إنشاء محطات تحلية المياه المالحة، وبناء السدود، لتعزيز الثروة المائية الجوفية. وحرصاً من الدولة في المساهمة بتخفيض تكلفة إنتاج المياه بالطرق المتّبعة حالياً، فقد تبنت المبادرة الوطنية لتحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية، ومن المقرر تنفيذ هذه المبادرة على ثلاث مراحل في مدة زمنية تبلغ تسع سنوات. ومن أجل الحفاظ على هذه الثروة الوطنية التي تُشكّل عصب الحياة وجوهر النمو، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ}. فقد أصدرت الدولة العديد من الأنظمة واللوائح التي تُعنى بتنظيم واستغلال الموارد المائية بما يحقق المنفعة العامة، فضلاً عن إنشاء مراكز متقدمة لأبحاث وتقنيات المياه وفق أحدث المعايير والتقنيات العلميّة التي هيأت بلادنا -ولله الحمد- لتكون في مصاف الدول الرائدة في مجال تحلية المياه المالحة. أيها الأخوة: إن دولتكم تسعى دائماً لرفاهية المواطن وتحسين ظروفه المعيشية بدءاً بتأمين العلاج والرعاية الصحية له، إيماناً مِنهّا بأن صحة الإنسان هي مقياسٌ لتقدم الشعوب ورُقيُّها. وقد اتضح ذلك جلياً في الاستمرار بإنشاء المستشفيات المتكاملة في المدن ورفع طاقاتها الاستيعابية، ونشر المراكز الصحية في القرى والهجر، وتوفير التجهيزات الطبية الحديثة، ناهيك عن تأهيل الكوادر الوطنية للعمل في المجال الصحي من خلال استحداث كليات الطب، ومراكز التدريب الصحي في كافة أرجاء الوطن. وكنا قد أصدرنا أمرنا باعتماد 16 مليار ريال لتنفيذ وتوسعة عدد من المدن الطبية. وإننا مستمرون -بعون الله وتوفيقه- في ذات الاتجاه نحو الارتقاء بقطاع الخدمات الصحية في المملكة سواء من خلال التركيز على إنشاء المشروعات الصحية الجديدة، وتحسين البيئة الصحية القائمة، وزيادة الاعتمادات المالية المخصصة لها. أيها الأخوة الكرام: إن الخطة الخمسية التاسعة التي صادق عليها مجلسكم الموقر فإنها ستكون -بمشيئة الله وتوفيقه- عوناً لنا جميعاً على تحقيق ما نصبو إليه نحو تكريس الرخاء والنمو والازدهار، ولاسيما أنها قد نصّت على تحقيق الاستقرار الاجتماعي وضمان حماية حقوق الإنسان، وتعزيز الوحدة الوطنية. كما أكدت على رفع مستوى معيشة المواطن، والاستمرار بنهج تنويع القاعدة الاقتصادية والتنمية المتوازنة والمستدامة لجميع المناطق، وتفعيل دور القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وانطلاقاً من حرص الدولة على الاستمرار في مسيرة التنمية بجميع مجالاتها، فقد أنشأت وزارة للإسكان ودعمت صناديق التنمية الصناعية والعقارية والزراعية لتقديم التسهيلات المالية والقروض الميسرة للمواطنين ليساهموا بفاعلية في التنمية. كما أُعطيت الأولوية لدعم المستحقين المشمولين بنظام الضمان الاجتماعي، وزيادة عدد المستفيدين منه، والتأكيد على إيجاد فرص العمل للمواطنين عبر دعم برامج السعودة، وإنشاء مراكز التدريب والتأهيل الفني والتقني في كافة مناطق المملكة. أيها الأخوة الكرام : لقد شرّفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين، فكانت تلك الخدمة واجباً وعزة وشرفا وركيزة ترتهن له هذه البلاد المباركة وقادتها. واعترافاً بفضل الله على بلادنا بما حباها من خيرات ونعم وفيرة، منطلقين من مسئولية المملكة الدينية، فإننا قد قمنا -بحمد الله- بوضع حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام وافتتاح عدد من المشروعات التطويرية للحرمين الشريفين، سائلاً الله عزّ وجلّ أن يجعل فيها الخير الكثير خدمة للإسلام والمسلمين قاطبة. إن توسعة الحرمين الشريفين، وتوسعة جسر الجمرات، وتشغيل قطار المشاعر ما هي إلا نماذج مجسدة لهذه المشروعات التطويرية لكي يجد الحجاج والمعتمرون والزوّار الراحة والطمأنينة عند أداء مناسكهم وهي واجب ندين به لله تعالى. وبمشيئة الله سوف نواصل العمل الدؤوب من أجل خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والسهر على راحة الحجاج والمعتمرين الكرام بما نملك من جهد ومال، لأننا نؤمن بأنه واجب تمليه علينا عقيدتنا، وهو عمل نبتغي به مرضاة الله عز وجل. أيها الأخوة: لم نألُ جُهداً في تطوير كافة قطاعات قواتنا المسلحة، من خلال التدريب والتأهيل والتجهيز، والوقوف على التجارب والخبرات الخارجية، وإدخال التقنية العسكرية الحديثة على منظوماتنا الدفاعية، لأن الحفاظ على استقلالية المملكة وسيادتها، وصيانة ما تحقق من منجزاتها هو من أولوياتنا الحتمية التي لا مساومة عليها. وهو ما يدفعنا للمضي قدماً في تطوير قواتنا المسلحة بجميع قطاعاتها، وتجهيزها للدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء -لا سمح الله- مستعينين بالله ثم بسواعد أبنائنا القادرين على حماية البلاد، والمحافظة على مكتسباتها ومنجزاتها المتراكمة في زمن يُعد قياسياً في عمر الأمم. أيها الأخوة الكرام: أؤكد دائما أن المواطن -بعد التوكل على الله جلّ جلاله- هو أساس التنمية وهدفها في آن واحد، فكان من الطبيعي أن تهتم الدولة ومنذ زمن بالجانب التعليمي الذي يعد إحدى ركائز التنمية. فأولت الدولة اهتماماً متزايداً بالمؤسسات التعليمية والثقافية، وتشييد صروح العلم والمعرفة عبر زيادة الإنفاق على بناء المدارس والجامعات في كافة مناطق المملكة، وتطوير برامج التعليم العام والجامعي، والتوسع في إنشاء الجامعات لتغطي جميع أرجاء المملكة، فضلاً عن توفير الخدمات التعليمية، وتدريب الكوادر الأكاديمية السعودية، وذلك من اجل أن يحظى الطالب السعودي بالعناية والاهتمام اللازمين. وكوننا نتجه نحو اقتصاد المعرفة والاستثمار في الأجيال، لأن العنصر البشري هو المعني بالتدريب والتعليم والتأهيل. فإنكم تلاحظون أن البنود المخصصة لميزانية التعليم أكبر البنود المالية التي خصصتها الدولة لهذا القطاع المهم. وحرصاً منّا على توسيع التجارب المعرفية والخبرات العلمية لأبنائنا وبناتنا الطلاب فقد مددنا برامج الابتعاث الخارجي للعديد من دول العالم، كما أمرنا بضم أبنائنا وبناتنا الدارسين على حسابهم الخاص إلى برنامج الإبتعاث متى ما توفرت فيهم الشروط إيماناً منا بتهيئة الأجواء لهم ليتفرغوا للتحصيل العلمي وتنويع معارفهم من أجل إنتاج كفاءات وطنية مدربة مهنياً وتقنياً. إن الارتقاء التنموي بأوضاع المرأة لا يتم إلا من خلال الرؤية التي تؤمن بضرورة تفاعل جميع أفراد المجتمع في الجهد التنموي، ولعل الوصول إلى التنمية الشاملة يتطلب مشاركة أوسع للمرأة السعودية من خلال تطوير قدراتها، وإزالة المعوقات التي تعترضها، لتكون عنصراً منتجاً في الأنشطة الاقتصادية والإنمائية وبما يتفق مع شريعتنا الإسلامية. أيها الأخوة الكرام: إن تطلعاتنا لا تتوقف من أجل نقل بلادكم -بإذن الله- إلى مصاف الدول المتقدمة في مجال القطاعات الخدمية والاتصالات. ولذلك رُوعي في بناء وإعادة تحديث البنية التحتية للبلاد عبر شبكة الاتصالات، ووسائل النقل، والمطارات، والموانئ، والطرق البرية التي شيدت، أن تكون وفق أهداف خطط التنمية، وتتناسب مع أحدث المعايير الهندسية والعمرانية، ما سيعزز الفرص أمام الاستثمارات الوطنية والأجنبية للمشاركة بفاعلية وإنتاجية في عملية النمو الشاملة التي نمر بها الآن. كما أننا ماضون -بعون الله وتوفيقه- في تطوير قطاعات الدولة المختلفة على مستوى مرفقي القضاء والعدل، وإدخال التقنية الحديثة، وتطبيق المعاملات الإلكترونية على كافة مؤسسات الدولة لتطوير الأداء ومواكبة للمستجدات العالمية في ميدان الإدارة بتنوع مستوياتها، لاسيما ما يتعلق ببرامج تقنية المعلومات. أيها الأخوة الكرام: على الرغم من أن العالم يعيش ترددات الأزمة الاقتصادية وتصدعاتها، إلا أن السياسات المالية والاقتصادية المتزنة التي تنهجها الدولة، وتسهيل قواعد العمل وآلياته المعتمدة في التعاملات المالية والاستثمارية قد جنبتنا -بفضل الله- الآثار السلبية لتلك الأزمة الدولية، بل وعززت مكانة المملكة في سلم الدول الجاذبة للاستثمار العالمي، وهيأتها لتصبح واحة استثمارية خصبة وآمنة لرؤؤس الأموال الأجنبية. ولذلك فإننا مصممون على الإنفاق على المشاريع الكبيرة والعملاقة على المستوى الاقتصادي من أجل التأكيد على إبعاد المملكة عن أي تأثير لتباطؤ الاقتصاد العالمي. وسوف نستمر بعون الله في تطوير الأنظمة القائمة، ووضع التشريعات الملائمة لتمكين الاقتصاد الوطني من النمو والتنوّع والتوسع، ناهيك عن إتاحة الفرصة للمواطن والمستثمر المحلي والأجنبي ليكونوا شركاءً في التنمية والرفاه. أيها الأخوة الكرام: لقد تم بحمد الله إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1432-1433ه المنسجمة مع الأهداف الإستراتيجية لخطة التنمية التاسعة في دعم التنمية المستدامة وتطوير هيكلية الاقتصاد السعودي وتحسين مستوى معيشة المواطن وتحقيق تنمية متوازنة بين المناطق. وقد بلغ إجمالي الإنفاق العام فيها 580 مليار ريال بزيادة حوالي (7%) عن العام الماضي، حيث تم تخصيص نحو 150 مليار ريال لقطاع التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة بزيادة (8%) عما تم تخصيصه في العالم الماضي، وتخصيص 68.7 مليار ريال لدعم قطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بزيادة (12%)، وتخصيص 24.5 مليار ريال لقطاع الخدمات البلدية بزيادة نسبتها (13%)، وتخصيص 25.2 مليار ريال لقطاع النقل والاتصالات بزيادة (5%). وقد حققت ميزانية العام المنصرم فائضاً للعام السابع منذ عام 2003م، كما أن هذه الميزانية والتي تُعد الأضخم والأعلى في تاريخ المملكة جاءت لتؤكد قوة ومتانة الاقتصاد السعودي لاسيما في ظل المتغيرات الاقتصادية التي يعيشها العالم أجمع. أيها الأخوة: إن ما يربطنا بمحيطنا الخليجي والعربي والإسلامي يتجاوز التاريخ والجغرافيا، فروابط الدين والمصير وقضايا الأمة ومصالحها، هي بلا ريب بمثابة علاقة متجذّرة راسخة لا نفتأ أن ُنعززها بكل ما استطعنا من جهد. فعلى صعيد التعاون الخليجي الذي يسير بخطى ثابتة وواضحة فإن المملكة تسعى دوماً لتوطيد وجودها الاستراتيجي في هذه المجموعة الجغرافية إدراكاً منها لما يربطها مع شقيقاتها في دول مجلس التعاون من سمات مشتركة، ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها. إن أمن دول مجلس التعاون الخليجي جزء لا يتجزأ من أمن المملكة. وفي هذا السياق لا يفوتنا أن نعبر عن ارتياحنا لعودة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين الشقيقة، ونجدد رفض المملكة لأي تدخل خارجي يمس أمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية. إن تجربة مجلس التعاون وما تم إنجازه تحت مظلته من اتفاقيات ومشروعات رائدة هو خير دليل على رغبتنا الأكيدة في مواصلة التفاهم والتعاون مع أشقائنا في دول المجلس. كما أن ما تم تحقيقه من تكامل وتنسيق حتى الآن إنما يهدف لتحقيق مصالح شعوبه. فقد أقرت المملكة اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي، وساهمت بفاعلية في تحقيق التكامل الدفاعي الخليجي المشترك لخلق توازن عسكري قادر -بإذن الله- على حماية أمن الخليج وصون استقراره. كما نُقدر دعم مجلس التعاون لمبادرتنا المتمثلة بالدعوة لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. ولا يفوتنا هنا أن نرحب بتأسيس مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب الذي يأتي تتويجاً لجهود المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض عام 2005م، الذي اقترحنا فيه تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب برعاية منظمة الأممالمتحدة، وإيماناً منا بضرورة تكاتف الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب ولتفعيل دوره فقد ساهمت المملكة بمبلغ عشرة ملايين دولار لتمويل المركز. أما على الصعيد العربي وإزاء ما تشهده الساحة الإقليمية من متغيرات ومستجدات، فإنه يحدونا الأمل في أن يعم الأمن والاستقرار عالمنا العربي، مؤكدين احترامنا ودعمنا لخيارات الشعوب، مع رفضنا الحازم لأي تدخل خارجي في قضايانا العربية. ففي اليمن يؤلمنا ما يشهده من أحداث عنف ترتب عليها سقوط قتلى وجرحى، وأُهيب بكافة الأطراف ضبط النفس وتحكيم العقل لتجنيب اليمن الشقيق مخاطر الانزلاق إلى المزيد من العنف والاقتتال. ونرى أن المبادرة الخليجية لازالت هي المخرج لحل الأزمة اليمنية، وتحول دون تدهور الأوضاع بما يحفظ للجمهورية اليمنية أمنها واستقرارها ووحدتها. كما لا تخفى عليكم المساعي الحثيثة التي تبذلها دائماً المملكة العربية السعودية على مستوى المصالحة العربية - العربية من باب توحيد الصف العربي وتعزيز وخدمة للمصالح العربية، وما جولاتنا وزياراتنا لبعض العواصم العربية في العام المنصرم إلا لتنقية الأجواء وإصلاح ذات البين ودعم قضاياها. فكانت جهود المملكة تنصب في تحقيق السلم الأهلي في لبنان، وما زلنا ندعم أمنه ووحدته وعروبته واستقراره. كما أننا نتطلع لبقاء العراق كياناً سياسياً عربياً إسلامياً موحداً ومستقلاً لجميع طوائفه وأبنائه، وأن يكون بمنأى عن التدخل في شؤونه الداخلية. أيها الإخوة: من أولويات السياسة الخارجية للمملكة، دعم التضامن والعمل المشترك بين الدول الإسلامية والارتقاء بسبل التعاون فيما بينها. وعندما يكون العالم الإسلامي شريكاً وعاملاً ايجابياً فاعلاً في النظام السياسي الدولي ونمائه الاقتصادي، فإن تأثير مشاركته ونتاجات تفاعله ستصب في مصلحة قضيتنا الأولى قضية فلسطين وستدعمها وتحشد التأييد الدولي لها في المحافل الدولية لاسيما في الوقت الحالي وبعد تقّدم فلسطين بطلبها لعضوية كاملة في الأممالمتحدة، كونها قضية عادلة لشعب يسعى لتحقيق حلمه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط. كما أن المملكة ولله الحمد كانت ولا تزال محل تقدير وإكبار العالم بما تقدمه من مساعدات عاجلة للشعوب المحتاجة في أوقات الكوارث والمحن، ولعل آخرها الوقفات الإنسانية الكبيرة التي وقفتها بلادكم حكومة وشعباً مع أشقائنا في كل من باكستان والصومال، حيث لاقت هذه المبادرات الطيبة أصداء واسعة -ولله الحمد-. إن ما نقوم به اتجاه إخواننا إنما يهدف للتخفيف من معاناتهم، ورفع الضرر عنهم منطلقين من مبادئ ديننا وتفاعلاً وإحساساً بمسئوليتنا. وفي الشأن الخارجي فإن سياستنا ترتكز على توسيع آفاق التعاون السياسي والاقتصادي مع دول العالم، ولعل المشاركة الفاعلة التي قدمتها المملكة في اجتماعات مجموعة العشرين التي عقدت في كندا وكوريا الجنوبية مؤخراً تعكس المكانة التي تتبوأها المملكة وأهمية الدور الذي تلعبه في هذا التجمّع الدولي الذي يتسم بقدرته المُتسارعة على تحفيز اقتصاد العالم بأسره. وقد كانت المبادرات التي أطلقتها بلادكم -وهي السباقة دائماً لما يصب في مصلحة البشرية جمعاء- لا تزال محل تقدير واحترام العالم، حيث شجّعت على سن القوانين المالية التي تضمن الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، أو التخفيف من آثار وطأتها على اقتصاد الدول على أقلّ تقدير. أيها الأخوة الكرام: لقد استمرت المملكة في انتهاج سياسة بترولية تقوم على مراعاة مصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلية، واستغلال الثروة التي حبانا بها الله بكفاءة، وتسخيرها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. واستمرت في تبني سياسات معتدلة قوامها استقرار السوق، وتجنيبها التقلبات السلبية ومراعاة المصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين، وسلامة الاقتصاد العالمي ونمائه وخصوصا اقتصاديات الدول النامية الفقيرة للطاقة. والمملكة إذ ترى استقرار اعتماد العالم على الوقود الإحفوري وخصوصاً البترول للعقود القادمة لتلبية الطلب على الطاقة من أجل الرخاء والنمو العالميين، فإنها تشجع في الوقت ذاته الاكتشافات العلمية للطاقة المتجددة وتحسين استخدام الوقود الإحفوري وملائمته بيئياً. وإدراكاً لتلك العلاقة التكاملية قمنا بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لتطوير الطاقة النووية والمتجددة لتُكمل مواردنا من البترول والغاز. كما نؤكد حرص المملكة العربية السعودية على نشر الأمن والسلم الدوليين في منطقة الشرق الأوسط وبقية مناطق العالم انطلاقاً من دورها الرائد في الاستقرار وتحقيق الرخاء لدول المنطقة. وإن كنا نشدد على حق الجميع في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق إشراف ورقابة وكالة الطاقة الذرية، إلا أننا ندعم مختلف الخطوات والإجراءات الرامية إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وفق ما نصت عليه قرارات الأممالمتحدة، والتي هي بحاجة ملحة لتضافر الجهود الدولية من أجل تفعليها ووضع آليات تطبيقها. أيها الأخوة: إن دعوتنا للحوار بين الحضارات والثقافات وأتباع الديانات هي دعوة متأصلة من إيماننا بأن الحوار هو السبيل الأمثل لحل القضايا الدولية المختلفة حولها بالطرق السلمية. وإنني على يقين بأن الحوار بين الحضارات وأتباع الديانات هو السبيل الأمثل لتفويت الفرصة على العديد من الدعوات المتطرفة الني تخرج من مجموعات منتشرة في العديد من دول العالم باسم الدين تارة، وباسم العرق تارة أخرى، هدفها الرئيس هو تسميم العلاقات بين الشعوب والحكومات، وتقويض المشاركة الإنسانية في الحفاظ على الحضارات والتواصل بين أتباعها، وتحويلها إلى صدامات وحروبٍ أنهكت العالم لقرون عديدة، في الوقت الذي نؤمن فيه بأن ما يجمع الغالبية العظمى من شعوب العالم هو أكثر مما يختلفون عليه. وانطلاقنا من وسطية إسلامنا وسماحة شريعته، فإننا كنا قد وجهنا في خطابنا لسماحة المفتي ما يتعلق بضبط الفتوى، بعدما رصدنا تجاوزات لا يمكن أن نسمح بها، ومن واجبنا الشرعي الوقوف إزاءها، وأكدنا أن كل من يتجاوز ذلك الترتيب فإنه سيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائناً من كان، فمصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار. إن الحوار الذي ندعو له، وتمليه علينا ظروف حضارتنا الراهنة سوف يجنب العالم أجمع -بمشيئة الله- مآسي الصدامات والنزاعات بين الحضارات والديانات، ويدفعها للتعايش السلمي، والتفكير في القواسم المشتركة التي تجمعنا عوضاً عن الغوص في الاختلافات التي تفرقنا. وإنني من مجلسكم الموقر أدعوا العالم إلى تفهم أهمية الحوار، واتخاذه وسيلة أساسية في تقارب الشعوب، وتوطيد العلاقات البشرية بين أفرادها وحكومتها. أيها الأخوة الكرام: إنني اشكر لمجلس الشورى الجهود الواضحة والعمل المستمر الذي تقومون به في دراسة الأنظمة، والتقارير السنوية، وتقديم الاقتراحات والمشورة، وهذا بالتأكيد محل تقدير الجميع، وإنني أُثني على ما يَرِدُنا من مجلسكم الموقر، وأتطلع منكم إلى بذل المزيد خدمة لبلادنا المباركة وشعبنا الوفي. كما أنني أُثمّن لكم -رئيساً وأعضاء ومنسوبين- تلك المساعي الحثيثة التي تبذلونها للتعريف بالتجربة البرلمانية لبلادنا في المحافل الدولية على الوجه الأمثل، وإبراز الدور التكاملي لمجلس الشورى في بلورة رأي المملكة تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ومساهمته في تبادل وجهات النظر حول القضايا المحورية التي تهم المملكة خاصة والمنطقة عموماً. الأمر الذي يؤكد بوضوح على وجود مجلس الشورى ضمن خارطة العمل السياسي الوطني. فمشاركاتكم وتمثيلكم المشرف لوطنكم دائماً ما يكون محل تقديرنا واهتمامنا. وختاماً أيها الإخوة الكرام: فإن أمامكم رسالة سامية، وأمانة كبيرة، وأنتم جديرون بحملها إن شاء الله. فبارك الله جهودكم، ووفقنا وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عقب ذلك صافح خادم الحرمين الشريفين حفظه الله أعضاء مجلس الشورى. إثر ذلك عزف السلام الملكي. ثم غادر خادم الحرمين الشريفين مقر مجلس الشورى مودعاً بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم. حضر الحفل صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وصاحب السمو الأمير خالد بن فيصل بن سعد وصاحب السمو الأمير فيصل بن محمد بن سعود الكبير وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعد بن عبدالعزيز مستشار سمو وزير الداخلية وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة وأصحاب السمو الملكي الأمراء وسماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وأصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وأصحاب المعالي الوزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون لدى المملكة.