جدّدت التقلبات التي شوهدت مؤخراً في الأسواق المالية الإقبال على الفكرة القائلة بأنّ الرأسمالية قد انتهت أو تحتضر الآن، والدليل على ذلك مقال الرأي بعنوان «هل انتهت الرأسمالية؟» (Is Capitalism Doomed?) الذي صدر مؤخراً عن نورييل روبيني، البروفسور في العلوم الاقتصادية لدى كلية «ستيرن لإدارة الأعمال» (Stern School of Business) التابعة لجامعة نيويورك والذي أثار الكثير من النقاشات. وقد يكون السؤال حول انتهاء الرأسمالية مثيرا للاستفزاز، ولكنه غير مفيد، ذلك لأنه في حال كانت الإجابات ب»نعم»، فلا أحد سيعلم بما يمكن استبداله؟ وتلمّح التصريحات المماثلة لتلك الصادرة عن روبيني إلى أنّ الرأسمالية هي عبارة عن مجموعة ثابتة من القواعد والمبادئ التوجيهية التي إما ستنجح أو تنهار. ونجحت بالفعل القواعد التي يحددها روبيني والآخرين لفترةٍ طويلةٍ. ولكنّ الخوف الآن يكمن في كون الانقلاب الذي شوهد خلال الأعوام القليلة الماضية قد قضى على هذه الطريقة الثابتة - أو الجامدة - للقيام بالأعمال. وفي ما يلي سؤال مختلف وأكثر إفادة: «كيف يمكن للرأسمالية أن تتطور في بيئتها الجديدة؟» ماذا يحصل عندما نفكر بالرأسمالية كنظام، أي مجموعة قواعد تحكم سلوك صناع القرار، أو الأفراد، أو المؤسسات؟ الواقع أنه عندما تسير القواعد بالشكل الصحيح، تنتشر على نطاقٍ واسعٍ لكن عندما تكون مضرّة، يجري استبعادها من النظام. وقد أسهمت العولمة بنشر القواعد المتعلقة بما يمكن أن ندعوه «رأسمالية الاقتصاد المتقدّمة» لتصل إلى مواقع حيث يتم تعديلها بشكل سيئ. وقد انتقل موطن الرأسمالية من المجتمعات المتقادمة من حيث العمر ذات النمو المتدني والدخل المرتفع إلى الأسواق الناشئة حيث الشريحة السكانية شابة، والنمو سريع والدخل منخفض، والتي تحتاج إلى استثمار رأس المال في البنية التحتية. وبالنسبة إلى المجتمعات التي تعتمد جداول أعمال ملحة وتكثر فيها الفرص لتحسين نظام الصحّة والتربية والرعاية للمواطنين، فهي ستقاوم تسليم زمام اقتصادياتها إلى قوى همّها الوحيد الربح المالي. وسيكون على الرأسمالية بالتالي أن تتغيّر. وعندئذٍ، يتوقف السؤال عما إذا كانت الرأسمالية قد انتهت، ليصبح عن كيفية تطوّرها بعيداً عن شكلها الحالي باتجاهٍ شكلٍ آخر أكثر ملاءمةً للاقتصاد العالمي. وقد يكون إصلاح القطاع المالي خطوةً ضروريةً بهذا الاتجاه، كون، على حد تعبير روبيني، «خروج النظام المالي عن السيطرة» هو أساس المشكلة والهيئات التنظيمية والمؤسسات المالية غير محفّزة بالشكل المناسب لإصلاح الأمر. هذا وينبغي على أوروبا أن تستمر في الضغط على مصارفها لخفض ديونها السيادية تماماً كما ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تشجّع مصارفها على تقليص الرهون العقارية. ولكن، الأهم من كل شيء ألا يُسمح للقطاع المالي بإحباط تطور الرأسمالية. (تقضي مهمّة كريس ماير بتوقّع مستقبل الأعمال وصياغته، وقد سعى لتحقيق هذا الهدف باعتباره صاحب مبادرة، وكاتباً، ورئيساً لمركز دراسات وبحوث، ومستشاراً، ومسؤولاً تنفيذياً. وجوليا كيربي هي من بين كبار مدراء التحرير في مجلة «هارفرد بيزنيس ريفيو» (Harvard Business Review).