يطل علينا بعد أيام إن شاء الله شهر خير ورحمة وغفران للذنوب والآثام، اجتمعت فيه جميع أنواع العبادات الحسية والمعنوية وفيه تُروض النفس على عمل الطاعات وأوجه الخير للتقرب بها عند الباري عز وجل. للصيام معانٍ كبيرة تهدف إلى تذكير الناس بضرورة الإحساس بحاجات وأحوال الآخرين وخصوصاً الأهل وذوي القربى وضرورة البذل والعطاء، كما أنه يعود النفس على كبح جماحها والتسلح بالصبر وضبط الرغبات الملحة والتسامح مع الآخرين والإحسان إليهم. المسلم المُتطلع إلى رضوان ربه وسلامة آخرته يحرص على أعمال تقربه إلى الله عز وجل ومن أعظمها صلة الرحم في كل الأوقات وخصوصا في هذا الشهر الفضيل، فقد جاء في الحديث القدسي (أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم وأشتققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته)، وهناك آيات كثيرة وأحاديث نبوية شريفة تحثنا على صلة الرحم وتحذرنا من مغبة قطيعتها وما تسببه لصاحبها من عقوبات في الدنيا والآخرة. في هذا الشهر المبارك تُصفد مردة الشياطين وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم وفي الجنة باب اسمه الريان لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا أغلق ولم يدخله غيرهم، من عطاء المولى عز وجل كما جاء في الحديث ما معناه (أن الفريضة بسبعين فريضة فيما سواه والنافلة بفريضة فيما سواه والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف) والواجب علينا في شهر القرآن الكريم أن نتعهد كتاب الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ومعرفة أحكامه وتعاليمه لنزداد من نفحات النور العظيم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، قال عزّ وجل (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) الدخان آيه (3). وأن نقبل على طاعة الله وذكره مُلتمسين مزيدا كل ما يعود علينا من نفع وخير في هذا الشهر الفضيل خاصة في العشر الأواخر منه والتي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشد فيها المئزر ويوقظ أهله ويُحيي الليل في صلاة وتلاوة وذكر ودعاء... قضاء الوقت بكل ما يعود على الشخص بالفائدة والخير والأجر والثواب لأن كل إنسان مسؤول عن عمره في ما أفناه واستثمار الوقت بدلاً من تضييعه وهدره في متابعة المسلسلات الهابطة والبرامج غير الهادفة التي مع الأسف تبدأ طوال ليالي الشهر الفضيل في كثير من الفضائيات إلى الساعات الأولى من فجر كل يوم والتي يتم الاستعداد لهذه المسلسلات والبرامج مبكراً وكأن هذا الشهر الكريم أصبح شهراً لعروض مثل هذا الإسفاف وهذه الأمور المبتذلة التي فيها من البذاءة وخدش للحياة فتسلُب روحانيته وصفاءه ونقاءه وتُهبط بأخلاق وقيم الشخص في شهر العبادة والرحمة وتُصرفه عن أعمال هو في أمس الحاجة إليها. الكثير ينتظر هذا الشهر باستعداد كبير ويتلهف لعمل الطاعات والعبادات لينال إن شاء الله المغفرة والرحمة ويظفر بعفو العزيز الرحمن. يُستحب إخراج الزكاة في شهر رمضان لمستحقيها وللذين لا يسألون الناس إلحافا لنمسح دموع من استطعنا من فقراء ومعوزين ولنعش مجتمعاً مسلماً متحاباً مترابطاً. .. ويجدر بنا الإشارة والتنويه على ظاهرة تفشت في مجتمعنا وهي الإسراف في الشراء التي تسبق شهر رمضان دون الشهور الأخرى وهي تفوق احتياجات العائلة وكأن شهر رمضان المبارك للأكل والشرب وتبذير للمال حيث نرى طوابير العربات عند الكاشيرات في الأسواق التجارية وعند محلات بيع الجملة في هذه الأيام وقد يؤدي إلى تكديسها وتعريضها للتلف بانتهاء صلاحيتها حيث مع مرور الوقت ينسى الواحد منا تلك الأغراض وكما أسلفت زائد عن حاجتنا.. ناهيك عن ما يحدث قبل الإفطار ترى الكثير يُصابون بنهم البطون في شراء بعض المأكولات المعروضه في الأسواق ويصبح مصيرها حاويات الفضلات لأن الموجود والمُعد للإفطار في المنزل يكفي وزيادة وهذا وأيم الله الإسراف والتبذير بعينه. علينا أن نتقي الله في المال الذي بين أيدينا وأن ننفقه على الوجه الصحيح فهناك أمم كثيرة تتمنى أن تحظى بما أنعم الله علينا به من نعم وخيرات سائلين المولى عز وجل أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم وأن يديم على بلادنا نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ الله عز وجل ولاة أمرنا إنه سميع مجيب.