في المدرسة المتوسطة زاملت أحد الطلبة اليمنيين الذي عينته الإدارة مشرفاً على صحيفة الحائط، فوجئنا جميعاً ذات يوم بعنوان عريض «انقلاب عسكري في اليمن». طارت الركبان بالخبر ونقلوه إلى ذويهم ومجالسيهم، قلة فقط الذين تمعنوا بتفاصيل الخبر، حيث اتضح لهم أنه يروي حادثة انقلاب جندي يمني من على حماره أثناء توجهه إلى حفلة عقد قرانه. وأثناء التدرب على العمل في أرامكو، كان من الشلة زميل يمني ما أن تلمسه من خاصرته حتى يرفع يده ماداً إياها إلى حيث يربط عادة خنجره، وشاهراً إياه بحركة لا إرادية وصارخاً «اركب الهوى يا شيخ» كان الشباب لا يملّون التحرش بخاصرته، رغم تململه، ليؤدي تلك الحركة الدينكوشيتية العفوية. تذكرت هاتين الروايتين وأنا أستعرض أحداث اليمن السعيد والغالي علينا، فشبابه المعارضون إما أن يكونوا قد قرأوا العنوان العريض وساروا به، فلم يستوعبوا مغزى الشعارات ومؤدى العناوين واليافطات، أو أن زعماءهم قصروا في شرح تداعيات الاحتجاجات وإلى أين يمكن أن توصل الشعب اليمني الذي رغم مظاهر ديمقراطيته من حكم جمهوري وبرلمان وأحزاب، إلا أنه محكوم بالقبلية وفروعها وبالدين وطوائفه. رفع يافطة «سلمية.. سلمية» لم يحل دون قتل المعتصمين بالرصاص الحي من قبل القوات الموالية لرئيس الجمهورية، لأن يافطتهم الأخرى تقول للرئيس «ارحل». فروع القبيلة الواحدة أو ما يسمى بالأفخاذ، لم تكن ظاهرة في الاحتجاجات والاعتصامات، لكن عندما ظهرت انكشف المستور ونشب الصراع واستخدمت كافة الأسلحة، وانجرت اليمن مأسوفاً عليها إلى حرب ظاهرها المحتجون ضد الرئيس وأنصاره، وباطنها حرب بين أفخاذ القبيلة الواحدة، حذر منها الرئيس مهدداً إما هو أو الحرب الأهلية وقودها شباب اليمن، وتعاطى معها بنو الأحمر ومعهم آخرون بردة فعل شبيهة بردة فعل صديقي اليمني الذي يركب الهوى شاهراً خنجره كلما مُسّت خاصرته من أجل عيون شيخ القبيلة. أتذكرون كيف بدأت الحرب الأهلية اللبنانية، وكيف استمر القتل سنين عديدة على الهوية ودمرت لبنان منارة الشرق اقتصادياً وثقافياً، واصطفت دول العالم صفين يؤيد كل منهما فريقاً ضد الآخر. فهل اليمن مقبلة على تكرار السيناريو اللبناني البغيض، أم سيتغلب العقل والحكمة على هوى السلطة، أم علينا أن ننتظر ست عشرة سنة لنشهد «طائف» يمني على غرار الطائف اللبناني يضع حداً لاقتتال الإخوة الأعداء؟. أكره الدم المُراق وإن كان في عملية جراحية لعلاج مريض، فما بالك عندما يكون عبثياً يعلّ السليم ويقتل البريء وييتّم الرضيع. أيها العرب الخليجيون المسلمون لا تيأسوا من ترميم خاصرتكم اليمن السعيد، فحزنه وتعاسته، وفوضاه، وخرابه، وأرواح قتلاه قد تدمع عيونكم وسترهق جيوبكم وتشعل النيران على حدودكم، وليس لكم خيار إلا وضع حدّ لما يجري بأخذ زمام المبادرة وفرضها على الجميع.