{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وهكذا الدنيا نزول وارتحال.. لم يفجع ذوو وعائلة الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس فقط، بل فجع الوطن. لن أتحدث عن سيرته الذاتية أو مآثره أو دواوينه أو محاضراته وندواته فهي معروفة للقاصي قبل الداني. كان في الشريعة نابغة وفي علم التاريخ موسوعة وفي الشعر الفصيح متنبي عصره وفي الشعر الشعبي علامة، إنه مجموعة رجال في رجل واحد، رحل عن هذه الدنيا الفانية، وقد وضع عدة بصمات سيدونها التاريخ بمداد من ذهب.. أقول: (أبا عصام) سقتك اليوم هاطلة برحمة الله والغفران تنهمر فاهنا بروضك نعم الروض تنزله أجمل بذا الروض إذ يزهو ويزدهر أدعو الله سبحانه وتعالى أن يدخله فسيح جناته وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.. لقد سعدت بمعرفته أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما هاتفته دون معرفة سابقة، لأبعث له بالفاكس صورة من قصيدة كتبتها وما هي إلا لحظات حتى هاتفني طالبًا مني أن يسمعها بصوتي، ولعله اختبار بطريقة غير مباشرة. والشيء بالشيء يذكر عندما التقيت بالشاعر العراقي محمود الجواهري في أحد مقاهي دمشق وأسمعته بعض القصائد عندها طلب مني أن أسمعه بعض المعلقات، وهذا نوع من الامتحان. أعود للشيخ عبدالله - رحمه الله - فقد أرسلت شريطاً بصوتي وبعد أيام هاتفني قائلاً: أرسل من يأخذ الشريط، وقد قرأ القصيدة على وجه الشريط الثاني بصوته المميز، وختمها بقوله: الشاعر عبدالله بن محمد العطني من حفر الباطن، ومازلت أحتفظ به، عندها أرسلت له بواسطة الفاكس أبياتًا مطلعها: جاءت لي الدنيا بكل نفيس إذا نلت منك ودًا يا ابن خميس ودارت الأيام وزرته في منزله العامر بالرياض لنتجاذب أطراف الحديث، وعندما يحين وقت صلاة العشاء يطلب مني الصلاة في المسجد الموجود في زاوية قصره لنعود ونجلس. كان - رحمه الله - جم التواضع يختار المفردة، وكان يظهر الاهتمام بالشخص المقابل ويسأله عن صحته وصحة عائلته، وكان يحب (النكتة) حاد الذكاء.. ذات يوم كنت في حفر الباطن مع مجموعة من الأصدقاء وكان الحديث عن حدود الصمان وحدود منطقة نجد، فقال أحدهم: إن حائل لا تعتبر من نجد، فأثبت له جغرافياً وتاريخياً أنها في حدود نجد ولم يقتنع عندها هاتفت الشيخ - رحمه الله - فقال: مثلك يا أخ عبدالله لا يسأل هذا السؤال فحائل هي سنام نجد.. الخ. جاءته دعوة رسمية من دولة الكويت، فهاتفني قائلاً بأنه سيلبي الدعوة ويقدم إلى الكويت بطريق البر مروراً بحفر الباطن، وقد تناول طعام العشاء مع مرافقيه، وكانت ليلة لا تنسى فقد أحيا أمسية لم يخطط لها وكانت الأسئلة لا تنقطع وخاصة في مجال الشعر الشعبي وفي صباح اليوم الثاني قمنا بتوديعه، عندها هاتفت الأستاذ والأديب علي بن عبدالله الراشد مدير عام جمرك الرقعي «آنذك» لأخبره بالأمر، وكان حريصًا على الالتقاء به والجلوس معه والاستئناس بحديثه، فكان في استقباله عند مدخل إدارة الجمارك فقال: يا شيخ عبدالله إن هناك فتاة معجبة بك وشرطها الوحيد صعودك السلم والجلوس في الإدارة، فقال الشيخ عبدالله: أعرف مرادك وسأثبت لك أني في عنفوان شبابي. ويقول الأستاذ علي: لقد شرفت بالجلوس معه زهاء الساعة، كانت من أسعد اللحظات في حياتي فكان حديثه ممتعاً. ختاماً أقول: لقد فقدت المملكة العربية السعودية علمًا من أعلامها، أسال الله له الرحمة والمغفرة أنه سميع مجيب. حفر الباطن