لدي تحدٍ لك: أتحداك أن تشرب مادة مذيبة. هل تستطيع؟ قد يتبادر إلى ذهنك حمضٍ حارق يذيب كل جسم يوضع فيه، ويقشعر جلدك وأنت تتخيله يحرق جوفك ويذيب أمعاءك، لكن لا تحتاج أن تذهب بعيداً، فكلنا يستطيع شرب مادة مذيبة، بل إنك على الأرجح قد شربتها اليوم! هل عرفتها؟ إذا خمنتَ الماء فقد أصبت. للماء قدرة فعالة على الإذابة، حتى إنه يسمى «المذيب العام». أليس هذا غريباً؟ لئلا نموت (عطشاً) فإنه يتحتم علينا أن نشرب أحد أقوى المذيبات المعروفة! المشكلة أنه رغم أهمية الماء إلا أننا في هذا العصر صرنا لا نشربه كثيراً، واستعضنا عنه بالشاي والقهوة والمشروبات الغازية، رغم أن الماء يشكل قرابة 75% من الجسم البشري. لا يجب أن يكون دافعك لشرب الماء هو العطش، بل بالعكس، فالعطش يعني أنك وصلت لمرحة من مراحل الجفاف، والجفاف -حتى لو كان خفيفاً- يُنضب طاقتك ويصيبك بالإرهاق. الصحيح أن تشرب الماء بشكل مستمر خلال اليوم بحيث لا تشعر بالعطش أصلاً. ورغم أننا جميعاً نعرف أن الماء هو أساس الحياة إلا أن الكثير منا لم يسأل نفسه «وما فوائد الماء بالضبط؟»، فمعرفة أنه يزيل العطش فقط لا يكفي، ولمن تساءل كثيراً عما يفعله الماء للجسم من ناحية الحيوية فالإجابة أن وظائف الماء لا تُحصر، منها: ينظف الأعضاء الهامة من السموم، ينقل الغذاء للخلايا، يرطب أنسجة الأذن والأنف والحنجرة، يعين على حرق الدهون المخزنة في الجسم، يساعد عملية الهضم وامتصاص الفيتامينات والحديد، ينظم حرارة الجسم والدورة الدموية، يغسل الكلى، حتى أشياء مثل تقليل التجاعيد والصداع والدوخة يمكن للماء أن يساعد فيها. وهذه ليست إلا عينة من فوائد الماء للجسم. حاجتك للماء يومية ومستمرة، ذلك أن الجسم يستهلك الماء يومياً وتعويض هذا النقص ضروري، وقد اطلعت على نشرة لمستشفى مايو كلينيك عن هذا الموضوع فأشاروا إلى طريقتين يستطيع الشخص الاعتماد عليهما لتحديد الكمية التي يحتاجها من الماء يومياً، فالأولى هي طريقة تعويض النقص، فالجسم يخسر الماء عبر التعرق وإخراج الفضلات والتنفس (أبخرة الماء تخرج من الأنف أثناء الزفير)، وحسب تقديرهم فإن هذه العمليات تكلّف الجسم لترين ونصف من الماء يومياً، فمن هذا المنظور يستحسن شرب هذه الكمية كتعويض، ولكن بما أن خُمس الماء الداخل يومياً للجسم يأتي من الطعام فإن هذا يعني أنه يكفيك من الماء لتران. أما الطريقة الثانية فهي بالاعتماد على ما أشارت به مؤسسة الطب الأمريكية، وهي مؤسسة صحية لا ربحية، وحسب توصياتهم فإن الإناث يُنصحون بشرب لترين وخُمس اللتر من الماء يومياً بينما الذكور 3 لترات. ما يقلقني شخصياً هو اعتماد الكثير من شبابنا على المشروبات الغازية بشكل شبه كامل، وإحلال هذه المشروبات مكان الماء خطأ فادح، فهذه المشروبات لم تُصنَع لتُشرب يومياً كما هو الحال مع الماء، وقد اطلعتُ على بعض ما كتبه الأطباء في أضرار المشروبات الغازية فهالني ذلك، فمن أضرارها: تكوين حصوات الكلى، الإضرار بالكبد والكليتين، مرض السكر (حتى من يستخدمون الدايت)، زيادة الوزن، ضعف العظام، تآكل الأسنان، ارتفاع ضغط الدم، تعطيل عملية الهضم، تدمير الخلايا، والكثير جداً غيرها من الأضرار. يتحدث الدكتور هاونستاين في كتابه «دليل الطبيب للمنتجات الطبيعية النافعة» عن هذا الموضوع، فيقول: «في إحدى التجارب وجدنا أن السكر في أحد المشروبات الغازية قد قام بتعطيل قدرة خلايا الدم البيضاء على قتل انيسرية البنية (بكتيريا تسبب مرض السيلان) لمدة 7 ساعات. إضافة لهذا فالمشروبات الغازية تحوي كميات كبيرة من الفوسفور، وعندما تقوم الكلية بإخراجه من الجسد فإنه يسحب معه كميات من الكالسيوم من العظام. إن من يشربون المشروبات الغازية بكثرة لن يصابوا بهشاشة العظام فقط بل ستتدمر شرايينهم». فروا من المشروبات الغازية واحتضنوا الماء! وكما بدأنا بحقيقة غريبة فلا مانع أن نختم بأخرى، فالأمر الآخر الغريب هو أنه حتى لا نموت (اختناقاً) فإنه يلزمنا أن نتنفس الأكسجين، وهو من الغازات التي تجعل المواد تتآكل بل هو من أقواها من هذه الناحية!