روى لي أحد الأصدقاء الصحفيين، أنه وقف يتحدث مع سيدة محترمة ومحجبة، تقوم بدور فاعل في معرض الكتاب بالرياض، يسألها عن نشاطها وعملها في الإذاعة الداخلية للمعرض، وبينما هما كذلك، في المدخل الرئيس للمعرض، وأمام مئات الزوّار الداخلين إلى المعرض، وقف قبالتهما صبي غاضب، ثوبه قصير، وشماغه يكاد أن يصل إلى كعبيه، وهو يصيح بالصحفي: اتق الله، لا تحادث النساء! فما كان من الصحفي الطويل، إلا أن انحنى على الصبي، وأمسك بياقته، وشدَّه برفق نحوه، وهو يسأله: كم عمرك يا بابا؟ أجاب الصبي باعتداد: إحدى عشرة سنة! فهمس له مبتسماً «شفت الباب هناك؟ اذهب ونم باكرًا، لأن وراك بكره مدرسة!» لا أعرف كيف تذكَّرت ذلك، وأنا أقرأ خبراً عن مجلَّة جديدة، أصدر عددها الأول تنظيم القاعدة، واسمها (الشامخة)، وهي مجلّة نسائية، أو مجلَّة موجهة للمرأة، تنصح المرأة التي لم تتزوج بعد، بأن تقترن بالمجاهدين، كي تنجب جيلاً مجاهداً، أو مستعداً للجهاد، ومن يتتبع تطور العمل الجهادي لدى القاعدة، يدرك أنه يركز منذ خمس سنوات على انخراط المرأة في الجهاد، سواء بالدعم المالي والسعي إلى جمع التبرعات تحت مسمى أعمال الخير، أو تقديم خدمات إعلامية وذلك في انخراط النساء في أعمال الإنترنت وإدارة بعض المواقع والمنتديات، ولكن أن يتم وضع خطط إستراتيجية طويلة المدى، كالعمل على إنجاب أو (تفريخ) المجاهدين، فهو أمر جديد وخطير، فلم يعد التنظيم يكتفي بالتأثير في النشء، خصوصاً في المراحل الدراسة الأولية، بل أصبح من خططه تكوين مجتمع كامل للجهاديين! هذه المجلة التي تحتوي على نصائح في شأن التفجيرات الانتحارية، ومقابلات خاصة وحصرية مع زوجات قتلى التنظيم، اللاتي يمتدحن قرارات أزاوجهن في الانتحار، لم تهمل صفحات الموضة والجمال، لكنها تطرحها بطريقتها الخاصة، من نضارة البشرة وقناع العسل للوجه، إلى مقالات تدعو المرأة (الشامخة) إلى الجهاد الإلكتروني، ولعل فكرة حض النساء على المشاركة في الحرب على أعداء الإسلام، هي ما تجعل أغلبنا يتلقى في بريده الإلكتروني عشرات الرسائل يومياً، ممن يرسلن المقالات والأفكار التي تطارد من يعتبرنهم أعداء الإسلام من كتَّاب وصحفيين وغيرهم، ووصفهم بأبشع الصفات التي قد لا تتفق مع قواعد (الاتيكيت) التي تسلط الضوء عليها مجلتهن! أعتقد أن من يثير الفوضى، خصوصاً من صغار السن، سواء في معرض الكتاب أو غيره، هم ممن يتم تدريبهم مبكِّراً على التطاول على الآخرين، وعدم احترام الأكبر سنّاً منهم، وذلك تحت مسمّى الصدع في الحق، وهي انتهاك لحريات الآخرين وكرامتهم، ولعل المرأة أو الأم تحديداً في البيت، هي الدرع الأخير لحصانة هؤلاء من الانزلاق في إثارة الضوضاء والفوضى، فإذا اشتغل هؤلاء في التنظيم على المرأة، وتسلّلوا إلى البيوت، وأربكوا طمأنينتها وسلامها، فإن الجدار الأخير للأسرة سوف يتصدّع فعلاً، وستتحوّل هذه الأمّ (الشامخة) إلى أمٍّ (شارخة) لصلابة المجتمع وأمنه.