في لقائه مع قناة العربية اعترف سيف الإسلام القذافي أن إعلام نظام والده كان فاشلاً، وأن هذا الفشل جعلهم – كما يدعي – لا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم إعلامياً في محنتهم الأخيرة. ربما أن فشلهم الإعلامي هو الاعتراف (الوحيد) من هذا الديكتاتور الصغير الذي قد يكون صادقاً فيه، رغم مغالطاته وتزويره، فضلاً عن ادعاءاته التي بينها وبين الحقيقة مثل ما بين والده (العقيد) والحصافة. غير أن الحقيقة - أيضاً - أن والده مستعصٍ على التسويق الإعلامي؛ فهو يملك قاموساً من السب والشتم والبذاءة والانحطاط لا يستطيع أي إعلام وإعلاميين أن يدافعوا عنه؛ فهل يمكن الدفاع عن قائد يُسمي شعبه جرذان، و(مقملين)، وأنه سيحول بلادهم إلى نار حمراء إذا لم يسكتوا عنه، وعن سلطاته المطلقة.. وهل يمكن بأية طريقة الدفاع عن كيفية إدارته الفوضوية للدولة، وعن مغامراته السياسية، وثرائه وثراء أبنائه الفاحش، وعن جنونه، و تخلف بلاده في كافة المجالات؟.. يكفي أن تعرف أن ميزانية ليبيا السنوية لا تتجاوز 20 مليار دولار، في حين أن ثروته وثروة أبنائه المنتشرة في خارج ليبيا، والتي جرى تجميدها مؤخراً، تتراوح بين 40 مليار دولار وحتى 200 ألف مليار دولار حسب بعض التقارير؛ هذه أملاكه وأملاك أولاده في الخارج؛ أما في الداخل فليبيا مزرعة مستباحة له ولأبنائه، وحدود ملكيتهم فيها لا يحدها إلا حدود ليبيا الجغرافية؛ فقد حوّلها إلى إقطاعية له ولأبنائه، وما تبقى من (الفتات) يرميه لبعض خاصتهم ومن يقومون بخدمتهم. والسؤال: أي إعلام - بالله عليكم - يستطيع الترويج لنظام بهذا القدر من الفساد والقبح والتخلف والانحطاط السياسي والمالي والإداري؟ كل المستبدين والعتاة والظلمة ومستعبدي الناس يكرهون الإعلام، لأنهم يكرهون أن يروا أنفسهم في المرآة، فالإعلام القوي والنافذ والمقنع، الذي يعكس الحقيقة كما هي دون تجميل أو (مكيجة)، لا يمكن أن يتحمله (الديكتاتور) الفاسد، لأنه قبل أن يعكس صورة الناس له، سيعكس صورته القبيحة هو أيضاً للناس؛ فالمرآة المصقولة جيداً لا تعكس إلا الحقيقة. ومن يقرأ في سيرة أغلب القيادات المستبدة في التاريخ يجد أنها تتشابه في هذا المنحى، وتكره النقد بقدر ما تبجل وتشجع (المدح) والتملق والنفاق الذي لا يُقنع إلا (الديكتاتور) نفسه؛ فهو بمثابة (المُسكِّن) لمخاوفه من كراهية الناس له ولظلمه وتجبره وغطرسته، رغم أنه أول من يدرك أن هذا التطبيل الفارغ مجرد (خراط فارغ) ليس إلا. وما ينطبق على القذافي اليوم ينطبق تماماً على صدام بالأمس؛ فقد كان إعلامه هو الآخر في غاية التخلف والتخشب، حتى أنني عندما أتابع القناة الفضائية الليبية هذه الأيام لا أتذكر إلا إعلام صدام، فالاثنان متشابهان تماماً؛ فهذه الأنظمة التي تستمد من القمع والكبت وثقافة (لا أريكم إلا ما أرى) قيمتها وقوتها، لا يمكن أن تعيش في زمن الإنترنت، والإعلام الموازي، والصحفي المواطن، والقنوات الفضائية التي تعمل خارج أي سلطة، ولا تخضع لأي رقيب. الإعلام القوي والاستبداد نقيضان لا يجتمعان إطلاقاً - يا سيف الإسلام - والذي أثار عليكم الشعب الليبي ليس الإعلام التقليدي الذي فشل والدك فيه، وإنما الإعلام الموازي، أو إعلام (الإنترنت)، الذي لا يملك أحدٌ عليه أي سلطة؛ أما علاقة نظام والدك به فلا يختلف - على ما يبدو - عن علاقة الرجل الأمي بالكتابة والقراءة. إلى اللقاء.