أشارت الجزيرة في العدد (13997) يوم 20-2-1432ه إلى الندوة المنعقدة في الرياض والتي تناقش أحوال الفقراء، من المعلوم أن الفقير له حقوق كفلها الإسلام من غير ذلة أو منَّة، والفقر نوعان: فقر القلوب.. وفقر الجيوب، ففقر القلوب يكون بضعف الخشية والخوف من الله، وعلاجه بالذكر والإيمان والطاعة (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع).. ونبي الله أيوب جمع في دعائه بين التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى الله.. {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.. (83) سورة الأنبياء، يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الفوائد: وقد جرَّب من قالها سبع مرات مع دراية ومعرفة فكشف الله ضره، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً).. متفق عليه، والقوت ما يسد الرمق، أما فقر الجيوب فهو رأس كل بلاء على الأمن والقيم والأخلاق، والناس بين ثلاثة.. غني وفقير وثالث من تمر عليه الحالتين كحال المساهمين، والفقر للمسلم قد يكون ابتلاء ورحمة {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} (186) سورة آل عمران، وقد يكون الفقر إرادة إلهية ومصلحة للفقير، فقليل يؤدي المرء شكره.. خير من كثير يشغله، والتفاوت في الأرزاق حكمة من الخالق جلَّ في علاه، وفي هذا تسخير متبادل بين الغني والفقير وتنوع في الأدوار.. {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} (32) سورة الزخرف، عند الترمذي (أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسائة عام).. ومع هذا.. فالفقير له حقوق مشروعة على أصحاب القرار وأرباب الأموال تعليماً وعملاً وتطبيباً وامتلاك مسكن، والمرء لا يعيش لوحده، ففي المال حق للفقير، والغني مستخلف في ماله، فإذا أعطاك الله مالاً فاعلم أن الله يريد منك ألا تبخل على محتاج أو فقير، وقد قيل: (بشر مال البخيل بحادث أو وارث).. ومساندة الفقير كسب في الدين والدنيا، وزكاة مال الغني حق للفقير، والزكاة والصدقة تربي النفس وتطهرها، وهي بركة وعافية وتكافل اجتماعي، وكفالة الفقير من مال بيت المسلمين تمنحه حياة كريمة وبُعداً عن الاستجداء، والإسلام واجه مشكلة الفقر وقاية ومعالجة، بالاقتصاد والتوازن وبذل أنواع البر، فما شاع فقر إلا بقدر ما منع غني زكاة ماله، وفي الحديث: (من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له).. دعوة لمن رزقه الله أن يبحث عن أهل الفاقة والحاجة، وأن يقدم لنفسه ما يكون شاهداً له عند ربه من تسديد الديون، وتزويج الراغبين، وإطعام الجائعين، ومساعدة العاجزين، وإسكان المستأجرين، ومن حق الفقير أن يُحمى من أهل الاحتكار والجشع، واعلم أيها العبد الفقير أن الألم يتحول إلى أمل، والضيق إلى سعة، والشدة إلى خير، والحزن إلى سرور، والقعود والفراغ يكافحهما الكد والعمل -بإذن الله-. سعود بن صالح السيف – الزلفي