القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي أراده المولى نهجاً ربانياً للبشرية في كل زمان ومكان، وتكفل عز وجل بحفظه على مر الدهور والعصور وفي العقول والصدور، يقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وسخر الله عز وجل لتحقيق هذا الحفظ العديد من الوسائل، وكان عباد الله على مر الأزمان حراساً أمينين لهذا الكتاب الذي يحمل بين دفتيه المنهج الذي حبانا الله به. إن من النعم التي نعيشها، لا بل من اكبر النعم أننا والحمد لله قد ولدنا على الفطرة السليمة وحفظ الله لنا هذه الفطرة فكنا والحمد لله مسلمين قولاً وفعلاً كأفراد وكمجتمع وكدولة، وكنا جزءاً أساسياً لا يتجزأ من جسد هذه الامة الاسلامية، كما ان الحياة التي نحياها في ظل حكم دستوره الاسلام، وعقيدته الاسلام، ورايته راية التوحيد التي تخفق عالياً، تلك الحياة نعمة كبيرة. لقد من الله علينا بالعقيدة السمحة، وبالأرض المباركة وبالأمن والأمان وبالثروة وكل ما من شأنه أن يجعلنا لا نستطيع إلا شكر الله على الدوام، على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، وهذا الشكر ايضا كانت تطبيقاته العملية، فكانت قوافل الدعوة الاسلامية تنطلق، ولا تزال من بلادنا حاملة الأمانة الى أقاصي المعمورة بكل قوة واقتدار، وأيضاً كان هناك العديد من المحافل والمنابر التي عبرت عن أصالة هذه البلاد في حفظها لشرع الله على ارض الله، ولعل من تلك الاعمال الكبيرة والجليلة المسابقات الخاصة بكتاب الله، ومن أبرزها المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره وتجويده. وكانت انطلاقة تلك المسابقة العظيمة عام 1399ه للهجرة، واسمها يدل على هدفها وغايتها ونوعيتها، فهي مسابقة مفتوحة للتنافس الشريف والبريء، وهي دولية يمكن ان يتنافس فيها المتسابقون من كل أرجاء المعمورة، ومادتها هي حفظ القرآن الكريم وتفسيره التفسير الصحيح وتجويده على الوجه الأمثل وبعد انطلاقتها لم يحدث لها أي توقف والحمد لله رغم الظروف والأوقات التي طرأت خلال كل تلك الفترة، وأما مقر المسابقة فهو مكان مهبط الوحي الأمين، إنها مكةالمكرمة التي تحوي بين جنباتها أول بيت وضع للناس، وقبلة المسلمين إلى يوم يبعثون، وفي هذا الاختيار للمكان معان تبعث على كل درجات الارتياح. لقد تكفلت المملكة الحبيبة بتلك المسابقة دعماً مادياً ومساندة فعلية واحتضاناً كاملاً بحيث كانت كل نفقات المتسابقين من لحظة خروجهم قاصدين المسابقة الى انتهائها سواء السفر أو الإقامة او غيرها على حساب هذه الدولة الطيبة عدا الجوائز الكبيرة المالية المغرية سواء للفائزين او للمشاركين الذين لم يحالفهم الحظ، مع علمنا ان الجائزة الاكبر هي حفظ كتاب الله بحد ذاته فهذه أكبر جائزة وأفضل نعمة في هذه المسابقة الدولية. لقد صارت الجائزة محط انظار المسلمين في أرجاء الأرض قاطبة يرنون إليها، ويحثون الخطى للمشاركة بها يحدوهم دافع كبير لحفظ كتاب الله تعالى، وزيارة بيت الله الحرام، وهذا ايضا من ميزات اختيار المكان، وقد بلغ عدد المشاركين في المسابقة منذ انطلاقتها الى الآن (3296) متسابقاً من مختلف انحاء العالم، وهو عدد كبير مبارك والحمد لله. ستقام تلك المسابقة يوم غد الأول من شهر شعبان، وستكون هذه هي المسابقة ال (22)، ولكنها ستحمل هذا العام ولأول مرة اسم الملك المؤسس والموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله ، حيث صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله على هذه التسمية اعترافاً بالفضل الكبير، والعمل الجليل الذي قام به المؤسس يرحمه الله حيث أرسى دعائم الإسلام في بلادنا، وأقام دولة التوحيد والإسلام على بقاع شاسعة، واعاد الأمن والاطمئنان لهذه البلاد، وجعلها منطلقاً وركيزة أساسية من ركائز الدعوة الاسلامية، وحضناً دافئاً للإسلام والمسلمين، وحصناً منيعاً لكل أبناء الأمة. إننا ونحن نعيش الذكرى المئوية المباركة لنراها مناسبة طيبة أن تحمل تلك المسابقة الدولية اسم الملك عبدالعزيز الذي نرى طيب نتائج صنيعه في كل أرجاء المملكة. المسابقة قادمة، والدعوة لها مفتوحة ودائمة، والأمل قائم ومشروع باستمرار تطوير تلك المسابقة لما فيه خير الإسلام والمسلمين، فنحن نعلم أنها وصلت لدرجة عالية من الرقي والمنافسة والسمعة الدولية الكبيرة، ولكننا نطمح للمزيد من الدوام، وخصوصاً ان الهدف والغاية هو حفظ كتاب الله تعالى، وخدمة شرع الله، وإننا على ثقة على حرص واهتمام معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد المشرف العام على المسابقة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وسعيه الدؤوب والحثيث من أجل تطويرها، وتدعيمها، جزاه الله كل خير، وبارك في أعماله. والله ولي التوفيق.