الحمدلله الذي جعل الموت راحة لعباده الأبرار، ينقلهم من دار الهم والغرور والإكبار إلى دار الفرح والسرور والاستبشار، أحمده سبحانه على كل حال وهو العزيز الغفار وأصلي وأسلم على عبده ورسوله النبي المختار، الذي تهون المصائب بذكر مصيبتنا به بموته وفقده وهو الذي خيَّره ربه بين البقاء في الدنيا ثم الجنة أو الرفيق الأعلى، فاختار جوار ربه، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن أحبهم وأجلهم وعرف قدرهم واتبعهم في آثارهم وسلم تسليماً, وبعد,,فإن الله قضى قضاءه بالحق فجعل الموت غاية الأحياء، وسنة مطردة في الأنفس لاينكره أحد من بني آدم فقال سبحانه في آخر آل عمران كل نفس ذائقة الموت وإنما توفَّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ومما قضاه سبحانه موت العلماء الذين هم دياجير الظلم وعلامات يهتدي بها السائل إلى الله وإن موت العلماء مصيبة ورزية عظمى على الأمة جمعاء، إذ موتهم إيذان بفقد العلم ونكوص رايته، وكثرة الجهل وارتفاع علمه، وهو نقص في الارض، بنقص خيرها ولذا مما فسَّر به قوله تعالى في آخر الرعد ((أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقِّب لحكمه هو سريع الحساب)). وفي هذا المعنى مافي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يُقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا؟ فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) وفي معناه مافي البخاري مرفوعاً وان بين يدي الساعة لأياماً يُنزل فيها الجهل، ويرفع العلم . ومن ذلك ذهاب أهل الإيمان والخير: والعلماء على رأسهم لما روى أحمد والحاكم وصححه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه (لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض وهم أهل الإيمان والصلاح فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً), هذا وإن فقد العلماء قد استشرى وظهر جلياً في السنوات الأخيرة، ومن هؤلاء صاحب المعالي شيخنا ووالدنا محمد بن صالح بن سليمان العثيمين المولود ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة 1347ه والمتوفى مأسوفاً على فقده عشية الأربعاء 15/10/1421ه متمماً نيفاً وأربعين سنة، قضاها في التعلم والتعليم والدعوة وبث العلم ونشر الخير حتى أضحى من كبار علماء المسلمين المنوه بهم في عصرنا وان فقده لمصاب جلل، ورزية عظمى، ونقص عظيم نتلقاه بالصبر والاحتساب وحمد الله على قضائه، ورد الحول والقوة إليه واسترجاعه، وسؤاله ان يجبرنا في مصابنا وأن يخلف علينا وعلى المسلمين بخير، فهو ما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد موت أبي سلمة فعوضها الله خيراً منه, وهو ما نرجوه من ربنا عز وجل. ولايجوز والحالة هذه التجزع أو التسخط لقدر الله بموت علمائنا، بتعاقبهم واحداً تلو آخر، بل الواجب والمتعين الصبر والثناء على الله والالتجاء إليه أن يتقبلهم في عباده الصالحين وأن يعوضنا ويخلف علينا بخير وأن يحسن العبد ظنه بربه، وأن يحذر غاية الحذر سوء الظن بالله فهو وصف المنافقين والمشركين، ومن ذلك من ظن أن الله لا ينصر دينه أو أن دينه سيضمحل بموت من مات من علمائنا الأجلاء، فإن هذا يورث اليأس من روح الله والقنوط من رحمته وهي أمور خطيرة يجب الحذر منها في مثل هذه الظروف والمصائب والتي ربما تطيش فيها عقول وقلوب فئام من الناس ولاسيما أهل الخير. فإن هاتبكم المحاذر من سوء الظن بالله وحكمه وحكمته أو اليأس من روحه أو القنوط من رحمته كلها محاذير تصيب العقيدة بمقتل لما يترتب عليها من, سوء الظن بالله والتشبه بالمنافقين والجاهلين, والجهل بسعة رحمة الله ولطفه, والله عز وجل يقول (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) ويقول سبحانه (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون),وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله . هذا وإننا على فراق فقيدنا وشيخنا الجليل: محمد بن عثيمين لمحزونون ولانقول إلا ما يرضي ربنا، ونعزي بعضنا بفقده، ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ونلح على الله ربنا بأن يغفر لشيخنا ويرفع درجته، ويمحو حوبته، ويكرم نزله، ويبيض وجهه ويثقل موازينه، ويؤنس وحشته، ويقر عينه وينزله عليين، ويجعله من المهديين وفي زمرة الصالحين والشهداء، ويجعله من الشهداء النائلي مراتب الشهادة بالصبر واليقين مع والدينا ووالديه ومشايخنا ومشايخه واخواننا المسلمين, وأن يحسن عزاءنا وعزاء أهله وذويه، وطلابه ومحبيه، والمسلمين أجمعين فيه، ويخلف علينا وعليهم بخير في العاجل والآجل اللهم آمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم, وإنا لله وإنا إليه راجعون. علي بن عبدالعزيز الشبل المدرس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية