تسجيل 1267 حالة وفاة بجدري القردة في الكونغو الديمقراطية    خطيب الحرم: حين تستحكم الآفات تلتاث العقول وتحار الأفهام    مدرب إنتر ميلان: نستحق الفوز.. ومدرب أتالانتا: فقدنا التركيز وخصمنا صعب    خطيب المسجد النبوي: نعم الله تدفع للحب والتقصير يحفز على التوبة فتتحقق العبودية الكاملة    القيادة تعزي الرئيس الأمريكي في ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيو أورليانز    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة لمساعدة الشعب السوري    «الجمارك» تُحبط 3 محاولات لتهريب أكثر من 220 ألف حبة محظورة    " تراحم جازان " تحتفي ببرامجها السنوية للعام 2024    وسط مخاوف من الفوضى.. حرس الرئاسة يمنع اعتقال رئيس كوريا الجنوبية    الأرصاد: طقس شديد البرودة مع فرصة تكوّن الصقيع على أجزاء من شمال المملكة    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري    لحظات رياضية سعودية لا تُنسى    الحازمي يروي سيرة كفاح في كتابه «من القهوة إلى قوقل»    بين عمان والبحرين كأس وذهب.. من عريس الخليج؟    الكلية الأمنية تنظّم مشروع «السير الطويل» بمعهد التدريب النسائي    مظلات الشحناء والتلاسن    كيف تتجنب ويلات الاحتراق النفسي وتهرب من دوامة الإرهاق؟    لتعزيز سعادتك وتحسين صحتك.. اعمل من المنزل    5 أخطاء شائعة في تناول البروتين    كيف ستنعكس تعديلات أسعار اللقيم والوقود على الشركات المدرجة؟    الفنان راشد الفارس يقدم أولى حفلاته للعام 2025 في موسم الرياض    ارتفاع أسعار النفط    قاتل الشتاء الصامت!    الدكتور عبدالله الأسمري: نتعلم اللغة الصينية اقتصاديًا والإسبانية رياضيًا والفرنسية ثقافيًا    ذلك اليوم.. تلك السنة    خشونة الركبة.. إحدى أكثر الحالات شيوعاً لدى البالغين    عام جديد بروح متجددة وخطط عميقة لتحقيق النجاح    محمد الفنتوخ.. الهمّة والقناعة    الصراعات الممتدة حول العالم.. أزمات بلا حلول دائمة    سوق العمل السعودي الأكثر جاذبية    عبير أبو سليمان سفيرة التراث السعودي وقصة نجاح بدأت من جدة التاريخية    ترمب أمام تحدي تعديل السلوك السياسي الإسرائيلي    تعفن الدماغ .. عندما تصبح أدمغتنا ضحية التكنولوجيا    لبنى العمير: أول مبارزة سعودية تكتب فصول الإلهام    «العلا».. مقصد الباحثين وهوى السائحين وقبلة المغامرين    لماذا لا تزال الكثيرات تعيسات؟    المسحل والمسؤولية المقنعة!    ابتسم أو برطم!    1.3 مليون خدمة توثيقية.. عدالة رقمية تصنع الفارق    بين دمشق وكابول    سُلْطةُ الحُبِّ لا تسلّط الحرب    بايرن يشهد عودة أربعة من لاعبيه للتدريبات الجماعية    الهلال يعلن غياب "نيمار" وعودة "نيفيز" قبل مواجهة الاتحاد في كأس الملك    نائب أمير تبوك يستقبل مدير الجوازات بالمنطقة    وزارة الثقافة تُدشِّن مبادرة "عام الحرف اليدوية 2025"    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يعقد اللقاء الأول للجمعيات التعاونية في المنطقة لعام ٢٠٢٥    الدفاع المدني يؤكد أهمية اتباع إجراءات السلامة عند استخدام وسائل التدفئة    قرية "إرث" بالواجهة البحرية بجازان.. وجهة سياحية وترفيهية وثقافية في موسم شتاء جازان 2025    السعودية تأسف لحادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيتينيي بالجبل الأسود    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    19,914 قرارًا إداريًا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب السوري    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    منذ 14 عاماً.. الذهب ينهي 2024 بأفضل أداء سنوي    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    صندوق تنمية الموارد: توظيف 169 ألف مواطن خلال 3 أشهر    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حسن بن فهد الهويمل
باكثير في مسرحيته الإسلامية الكبرى 1-2
نشر في الجزيرة يوم 27 - 07 - 2010

لم أكن ميالاً إلى الفن المسرحي المقروء، ولم يكن مجتمعي حفياً بهذا اللون من الفن التمثيلي. وظل اعتزالي له ردحاً من الزمن حتى اضطررت إليه في سياق قراءة وظيفية لتحكيم طائفة من الإبداعات الشعرية والسردية المسرحية...
... وعندئذ كان لا بد من التأسيس المعرفي عبر قراءة معقمة وشاملة لما أمكن من كتب في التنظير والتطبيق للنقد المسرحي، ثم البدء بتذوق النصوص الإبداعية عند رواد المسرح الشعري أمثال «أحمد شوقي»، والمسرح النثري أمثال «توفيق الحكيم» وحينئذ أدركت أن غياب هذا اللون من القراءة والتذوق نقص في البنية الثقافية للمشتغل بالدراسات الأدبية، والمجيء المتأخر خير من عدم المجيء.
بالطبع لم أكن منقطعاً البتة عن هذا اللون من الإبداع ولكني لم أكن حفياً به بالقدر الكافي. لقد كانت لي إلمامات عجلى بهذا اللون من الفن، وبخاصة حين فرض علينا في الدراسات العليا بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر إعداد بحث عن «شوقي بين التدين والمجون» إذ كان لا بد من استعراض مسرحياته الشعرية بحثاً عن نصوص في التدين أو المجنون، ولقد تمنيت أن يمثل هذا النوع من المسرحيات المتميزة لغة ومضموناً على المسرح، إلا أن هذه الإلمامات غير العازمة لم تؤسس معرفياً لهذا النوع من الإبداع، مما أدى إلى اضمحلالها من الذاكرة، بحيث لم تخول مثلي الخوض في التفاصيل، لقد تمخضت هذه القراءة الإكراهية عن اكتشاف عوالم ليست بأقل من عوالم الأغراض والأشكال والأنواع الإبداعية الأخرى، حيث تبدت لي نجاحات مبهرة وإخفاقات موجعة وجنح فكرية وأخلاقية لا قبل للإنسان السوي باحتمالها، وما كان مني إلا التفرغ لكتابة بحث تطبيقي تحت عنوان «الشعر المسرحي الواقع والمؤمل». وأملي أن يظفر هذا البحث بالمراجعة النهائية ليرى النور مشكلاً إسهاماً متواضعاً في هذا المجال المكتظ بألوان شتى من التألقات والإخفاقات. وحين بادرت «رابطة الأدب الإسلامي العالمية» بإعادة قراءة الأديب والمبدع الكبير «علي أحمد باكثير 1332-1389ه الموافق 1910-1969م» وجدت من الأفضل أن أتناول جانباً من إمكانياته الإبداعية، وهو الإبداع المسرحي السردي وتخصيص الحديث عن أفضل مسرحياته «الملحمة الإسلامية الكبرى عمر» بل أكاد أقطع بأنها من أفضل الملاحم العربية على الإطلاق كماً وكيفاً. والملاحم العربية تتنازعها المطولات البطولية والمسرحيات السردية والشعرية، وليس مهماً أن يتفق المصطلحيون على المفهوم والمقتضى أو لا يتفقوا، متى كانت ملحمة باكثير عملاً متميزاً في أدبيته وفنيته ولغويته ومضمونه، وليس غريباً أن تكون حدثاً أدبياً له ما بعده، فلقد تفرغ لإعدادها حولين كاملين مع ما توافر عليه من عمق في الثقافة واعتزاز بالتاريخ الإسلامي، ولاسيما أن الحضارة الإسلامية استهدفت في تاريخها المجيد ونظمها السياسية الرائدة، وتلك الملحمة تعد رداً ضميناً على المستشرقين والمستغربين بلغ من خلالها مقطعاً انتزعه من سياقه المشرف، وذلك الانتزاع المسدد دليل وعي تام بالمراحل المضيئة في تاريخ الإسلام، فخلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نقلة حضارية مكّنت الأمة الإسلامية من التأسيس للخلافة بمفهوم أوسع وأشمل، وإن كان ثمة تأسيس حكيم للخلافة على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تقصى بوادرها الدكتور «هاشم يحيى الملاح» في كتابه «حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم.. دراسة تاريخية دستورية مقارنة» حيث أسس للسلطات العامة في الدولة الإسلامية، وبخاصة السلطة التشريعية والتنفيذية وما ينضوي تحتها من دعوة وتربية ونظام مالي واقتصادي وعلاقات خارجية تتمثل بالجهاد والإعداد والعلاقات، وكل متعلقات الدولة من حقوق وواجبات ومساواة وحريات، كما أشار إلى أطراف من ذلك الدكتور زياد عميدان في كتابه «مناصب النبي صلى الله عليه وسلم وأثرها في التشريع» بحيث تناول «الإفتاء والتشريع والقضاء والقيادة العسكرية». غير أن ممارسات عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جاءت بمثابة التأسيس للخلافة الإسلامية ومواجهة النوازل برؤية ثاقبة وتصرُّف حكيم وتسجيل تاريخي تبادله الخلفاء من بعده، وكان بمثابة الدستور للدولتين الأموية والعباسية. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه خير من يعطي تصوراً سليماً للرجل السياسي المحنك بعقليته الجبارة وعبقريته الفذة ومنهجه السليم وسياسته الشرعية وحسن اختياره للرجال والمواقف والأعمال، ودقته في تدوير الأمور وقوته في الحق وهيبته التي تحول دون استغلال غفلته أو غيابه عن مشهد الأحداث.
ولا شك أن المثل الأعلى يساعد على تفجير المواهب وإطلاق العنان للقدرات الذاتية، نجد ذلك عند (المتنبي) مع سيف الدولة، وشرف المعاني يستدعي شرف اللفظ، لقد كتب الملحمة بروح المبدع وعاطفة المحب المعجب وخلفية المثقف الواعي لمتطلبات المرحلة المعاشة، وفي فترة من النضوج العقلي والمعرفي والسياسي، وهذه الأرضية مكنته من إبداع ملحمة متماسكة ومتناغمة: فكرة وأسلوباً وحنكة، وتجليات باكثير الإبداعية حفزت طائفة من الأدباء والنقاد على تعقب أعماله، فلقد خصه عدد من الدارسين والنقاد بدراسات شاملة ومعمقة، بحيث تناولوا بناءه الملحمي ونزوعه الإسلامي في سائر إبداعاته وكتاباته، وإن غفل عنه بعضهم تحت تأثير المد الثوري والقومي والحداثوي، وهي مخاضات عنيفة لم يحفل بها، ولم تحفل به، ثم إن كونه وافداً على مصر محتفظاً بانتمائه الإقليمي، حرض طائفة من المتنفذين على تهميشه، ومن ثم تجريده من كل مناصبه وانعكاس ذلك على نفسيته، وباكثير المهمش لتراثييه والتزامه لم يرتهن للتراث ولا للمعاصرة العربية، بل تخطت اهتماماته إلى المسرح العالمي، لقد التمس بعض الدارسين تعالقه مع «شكسبير» فيما تقصى آخرون الرؤية والفن عنده، وخير من حاول إعادة ترتيب تركته الفنية والأدبية والصحفية الأستاذ الدكتور محمد أبو بكر حميد، وهو وحده الذي أمدني بما ينقصني من المراجع، فله منا الشكر ومن الله المثوبة. إذ أعاد باكثير إلى المشهد العربي بقوة من خلال ما تركه من كتب مخطوطة ودراسات ومقالات ولقاءات مفرقة في الصحف والمجلات، وهذه الإعادة الموسعة ستمكن المهتمين من إقامة دراسات موثقة عن شخصية فذة، أسهمت في تشكيل الأدب المعاصر، واكتناف الدارسين والنقاد على قلتهم لأعماله جعل من الصعوبة بمكان التمكن من إضافة جديدة: و(ما ترانا نقول إلا مُعاراً أو معادا) والمسرحية التاريخية عند المبدع والدارس تتطلب إمكانيات قرائية مستوعبة للتاريخ بمختلف مراحله، تتجاوز الإلمام بالأحداث إلى المآلات والنتائج، وإذ تألق باكثير فنياً فإنه توفر على علاقات وثيقة بالتاريخ الإسلامي مكنه من امتصاص نسغه، ولما كان المشهد الأدبي يتسع لشعراء وسرديين ونقاد وأدباء فإن باكثير جماع ذلك كله، وهو إذ جمع الأدب من أطرافه، فقد كانت له حياته الخاصة التي كان لها أثرها على سائر إبداعاته وتوجهاته، فقد ولد في بلد غير عربي لأبوين عربيين وتنوعت بيئاته بين (اندونيسيا) و(حضرموت) و(مصر) و(الحجاز) وكانت له علاقات مع الخاصة والعامة، وهذا الخليط من البيئات والمعارف شكل ثقافة متعددة المصادر ومكنته عقليته من التفاعل الإيجابي؛ فالبيئات التي مر بها أو مكث فيها تعتمل فيها تيارات أدبية وفكرية، وتتفاعل فيها أطياف متعددة المشارب والانتماءات.
والمتقصي لحياة باكثير لا يستطيع الفصل بين تعلمه النظامي والمضطرب وثقافته المتنوعة.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.