قاعات الانتظار في عيادات الطب النفسي والمستشفيات الحكومية المختصة بعلاج الأمراض النفسية والعقلية في المغرب تستقبل أعداداً متزايدة من المرضى كل يوم. أمراض العصر، كما تسمى، اجتاحت الناس، لكن الباحثين عن العلاج ليسوا وحدهم من يملأون مقاعد الانتظار. ضحايا الإدمان على المخدرات رفعوا أعداد المصابين بالأمراض النفسية والعقلية، والإقبال على العلاج في تزايد، لكن العرض لا يفي بالطلب. أحدث العروض قدمته مدينة الدارالبيضاء في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اذ افتتحت فرعاً متطوراً لطب الإدمان داخل المركز الاستشفائي الجامعي «ابن رشد». ويمنح القسم 8000 كشف طبي ونحو 3300 ليلة مبيت في السنة. ومن ضمن ما يوفره 3 قاعات للكشف والفحص و3 قاعات للعلاج النفسي وقاعة للمساعدة الاجتماعية وقاعة للرياضة وأخرى للألعاب والعلاج المهني، ومكتبة ومقصفاً. ويفيد هذا الاختصاص في تكوين الأطباء والاختصاصيين. انزاح التردد والصمت حول مواجهة انتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات قبل سنوات قليلة فقط في المغرب باتخاذ قرار سياسي لمواجهة الواقع. ففي عام 2007، أنجزت أول دراسة على المستوى الوطني حول الصحة العقلية والإدمان على المخدرات لدى المغاربة، بتعاون بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، ووضع مخطط لمكافحة الإدمان على مدى 5 سنوات (2006 - 2011 بدعم مؤسسات دولية). وتم لأول مرة إدراج طب الإدمان (Addictologie) كاختصاص مستقل في كلية الطب والصيدلة في الدارالبيضاء، لتخريج اختصاصيين مؤهلين علمياً للتكفل بالمدمنين، وفهم حالتهم من الناحية العصبية والبيولوجية والنفسية والثقافية والاجتماعية التي تحكم كل نوع من أنواع التبعية لمخدر معين. أحصت الدراسة نحو نصف مليون مستهلك مدمن تماماً على الحشيش، ونسبة 4،2 في المئة من السكان الذين يعانون من التبعية أو الإفراط في استهلاك المخدرات بأنواعها، التي صارت أسعار بعضها في متناول جميع الجيوب تقريباً، بمن فيها شريحة مهمة من الأطفال والتلاميذ من الجنسين، لكن الدراسة أكدت أن أكبر إدمان قاتل وأوسعه انتشاراً بين المغاربة هو التدخين. وأطلقت أول حملة وطنية واسعة عبر وسائل الإعلام للتوعية والوقاية. كانت جريئة، وكسرت محرم الحديث علناً عن ظاهرة خطيرة تنخر المجتمع المغربي بشكل كبير، نظراً الى موقع البلد كمعبر لتجارة المخدرات الصلبة بين القارتين الأميركية والأوروبية، وكونه أحد أهم منتجي المخدرات التقليدية (الحشيش) في العالم، على رغم أن سياسة الدولة لمكافحة زراعة هذا المخدر وترويجه في الأسواق الداخلية والخارجية نجحت في تقليص مزارعه بنسب مهمة شمال البلاد. وظهرت في الحملة أشرطة صادمة لمعاناة مدمنين ومدمنات يكشفون نهاية البحث عن النشوة والنسيان والتسلية بتدمير مخيف للذات. وتحاشت الحملة خطاب التخويف والتجريم والتحريم، وأعلنت عن برامج صحية لتقليص مخاطر الإدمان، بهدف خفض معاناة المدمنين وتجنيب تعرضهم لأمراض مزمنة مميتة، وتوفير بديل لاستهلاك المخدرات، عبر العلاج بالميثادون (Méthadone) المعتمد في الدول الغربية، وهو دواء يحتوي مخدراً أفيونياً مصنعاً، يتميز بطول المفعول وخفض مرات التناول خلال العلاج بجرعات قليلة، كما أنه يؤخذ بواسطة الفم، لا الحقن، على شكل شراب مركز أو مخفف. وكان المغرب أول دولة في المنطقة يعتمد برنامج الميثادون. في الواقع، سبق الوعي بخطورة الظاهرة الشروع في هذه الدراسة، فقد كانت مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية العمومية في المغرب تستقبل حالات مرضية لمدمنين. ودفعت هذه الحاجة المستجدة في المجال الصحي والطبي إلى بروز مصطلح طب الإدمان كاختصاص قائم بذاته، والحاجة إلى سياسة صحية خاصة بهذه الشريحة الجديدة من المرضى الذين يعانون عامة من الإصابة بأمراض الهلوسة والذهان، وأمراض عضوية أخرى خطيرة، كالسيدا والتهاب الكبد الفيروسي. أنشئت أول مصلحة مستقلة لعلاج الإدمان في نيسان (أبريل) من عام 2000، وهي الأولى من نوعها على المستوى المغاربي، يضمها مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية في مدينة سلا المجاورة للعاصمة، وهي في الوقت نفسه مركز وطني للوقاية والأبحاث حول الإدمان، حيث مقر المركز الإقليمي الخاص بشبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحد من مخاطر استخدام المخدرات (Menahra). في عام 2004، أنشئ أول مركز عمومي مستقل لعلاج الإدمان في مدينة طنجة، شمالاً، حيث نسبة الإدمان الأعلى، لا سيما على الكوكايين والهيرويين، بسبب القرب من معابر تجارة المخدرات الدولية. يستقبل هذا المركز 30 مدمناً جديداً كل شهر. وهو أول من شرع في تطبيق برنامج العلاج بالميثادون، حيث يجد مرضى الإدمان أجواء مساعدة على تلقي العلاج الجديد، من قبيل إمكان أخذ حمام لتنظيف أجسامهم واحتساء كوب قهوة أو شاي، وأخذ حقن نظيفة وعوازل طبية، استعداداً لتلقي العلاج البديل. هناك أيضاً مركز خاص باستقبال أطفال الشوارع المدمنين منذ 2005 تشرف عليه إحدى جمعيات الطفولة في الدارالبيضاء.